هو عبد الرحمن بن عقبة «١» بن إياس بن الحارث بن عبد [بن]«٢» أسد بن جحدم (بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الدال المهملة أيضاً وبعدها ميم ساكنة) الفهري أمير مصر، وليها من قبل عبد الله بن الزبير بن العوام لما بويع بالخلافة في مكة وبايعه المصريون وتوجه إليه منهم جماعة كثيرة وبايعوه، فأرسل إليهم عبد الرحمن هذا فوصل إلى مصر في شعبان سنة أربع وستين التي ذكرنا حوادثها فى إمرة سعيد ابن يزيد المقدم ذكره، ودخل معه مصر جماعة كثيرة من الخوارج وأظهروا دعوة عبد الله بن الزبير بمصر ودعوا الناس لبيعته، فتابعهم الناس والجند على ما في قلوبهم من الحب في الباطن لبني أمية.
ولما دخل عبد الرحمن المذكور إلى مصر وتم أمره أقرّ عابسا على الشّرطة والقضاء بمصر، فبينما هم في ذلك وصل الخبر من الشأم ببيعة مروان بن الحكم بالخلافة وأن أمره تم، فصارت مصر معه في الباطن، وفي الظاهر لابن الزبير، حتى جهز مروان بن الحكم جيشاً مع ابنه عبد العزيز إلى أيلة ليدخل مصر من هناك، ثم ركب مروان بن الحكم في جيوشه وجموعه وقصد مصر؛ فلما بلغ عبد الرحمن بن جحدم ذلك استعدّ لحربه وحفر خندقاً في شهر، أو قريب من شهر، وهو الذي بالقرافة، وسار مروان حتى نزل مدينة عين شمس (أعني المطرية خارج القاهرة) فخرج إليه عبد الرحمن، فتحاربوا يوماً أو يومين، فكانت بين الفريقين مقتلة كبيرة، ثم آل الأمر بينهما إلى الصلح واصطلحا على أن مروان يقر عبد الرحمن ويدفع إليه مالاً وكسوة؛ ودخل مروان مصر في غرة جمادى الأولى سنة خمس وستين.