للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة [تهجيراً «١» ] وذلك آخر الشتاء بعد حميم «٢» النصارى بأيام يسيرة، فأطلنا الركوع، إذ أقبل رجال بأيديهم السياط يزجرون الناس، فذعرت؛ فقلت: يا أبت، من هؤلاء؟ قال: يا بني، هؤلاء الشرط، فأقام المؤذنون الصلاة، فقام عمرو بن العاص على المنبر، فرأيت رجلا ربعة قصد «٣» القامة، وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب موشية كأن به العقيان يأتلق، عليه حلة وعمامة وجبة، فحمد الله وأثنى عليه حمداً موجزاً وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم، فسمعته يحض على الزكاة وصلة الأرحام ويأمر بالاقتصاد وينهى عن الفضول وكثرة العيال وقال في ذلك: يا معشر الناس، إياكم وخلالاً أربعة، فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى المذلة بعد العزة. إياكم وكثرة العيال، وإخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل بعد القال، فى غير درك ولا نوال؛ ثم إنه لا بد من فراغ يؤول إليه المرء في توديع جسمه والتدبير لشأنه، وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقل، ولا يضيع المرء في فراغه نصيب العلم من نفسه، فيحور من الخير عاطلاً، وعن حلال الله وحرامه غافلاً.

يا معشر الناس، إنه قد تدلت الجوزاء، وذكت الشعرى، وأقلعت السماء، وارتفع الوباء، وقل الندى، وطاب المرعى، ووضعت الحوامل، ودرجت السخائل، وعلى الراعي بحسن رعيته حسن النظر، فحي لكم على بركة الله إلى ريفكم فنالوا من خيره ولبنه وخرافه وصيده؛ وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنها جنتكم من عدوكم وبها مغانمكم وأنفالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيراً؛ وإياكم والمسومات «٤» والمعسولات فإنهن يفسدن الدين ويقصرن الهمم.