وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد أبو الطيب المتنبىّ الجعفىّ الكوفىّ الشاعر المشهور حامل لواء الشعر في عصره، ولد سنة ثلاث وثلثمائة وأكثر المقام بالبادية لاقتباس اللغة، ونظر في فنون الأدب، وتعاطى قول الشعر من صغره حتّى بلغ فيه الغاية، وفاق أهل زمانه؛ ومدح الملوك وسار شعره في الدنيا، ومدح سيف الدولة بن حمدان وكافورا الإخشيدىّ وغيرهما. وقال أبو القاسم التنوخىّ:
وقد كان خرج المتنبىّ الى كلب «١» وأقام فيهم وادّعى أنه علوىّ، ثم ادّعى بعد ذلك النبوّة، الى أن شهد عليه بالكذب في الدعويين وحبس دهرا وأشرف على القتل، ثم استتابوه وأطلقوه. وقال: وحدّثنى أبى الى أن قال: وكان المتنبّى قرأ على البوادى «٢» كلاما ذكر أنّه قرآن أنزل عليه، نسخت منه سورة فصاحته، وبقى أوّلها فى حفظى، وهو:" والنجم السيّار، والفلك الدوّار، والليل والنهار، [إنّ «٣» ] الكافر لفى أخطار؛ امض على سننك واقف أثر من كان قبلك من المسلمين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في الدين، وضلّ عن السبيل". قال: وكان المتنبىّ ينكر ذلك ويجحده.
وقال له ابن خالويه «٤» النحوىّ يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضى أن يدعى المتنبّى، لأن المتنبّى معناه كاذب؛ [ومن رضى أن يدعى «٥» بالكاذب فهو جاهل] . فقال: إنى لم أرض أن أدعى به. انتهى. ومن شعر المتنبىّ- وهو أشهر من أن يذكر- قوله: