أشار للوزير بالطلوع فيطلع إليه وهو يقبّل الدرج حتّى يصلّ إليه فيزر عليه القبّة، ثمّ ينزل الوزير ويقف على الدرجة الأولى ويجهر المقرئون بالقراءة، ثم يكبّر المؤذّنون ثمّ يشرع المؤذّنون في الصمت، ويخطب الخليفة؛ حتّى إذا فرغ من الخطبة طلع إليه الوزير وحلّ الأزرار فينزل الخليفة، وعن يمينه الوزير وعن يساره القاضى والداعى بين يديه- والقاضى والداعى هما اللذان يوصّلان الأذان إلى المؤذّنين- حتّى يدخل المحراب ويصلّى بالناس ويسلّم. فإذا انقضت الصلاة أخذ لنفسه راحة بالجامع بمقدار ما تعرض عليه الرسوم وتفرّق؛ وهى للنائب في الخطابة ثلاثة دنانير، وللنائب فى صلوات الخمس ثلاثة دنانير، وللمؤذّنين أربعة دنانير، ولمشارف خزانة الفرش وفرّاشها ومتولّيها لكلّ ثلاثة دنانير، ولصبيان بيت المال ديناران، ولمعبّى الفاكهة ديناران. وأمّا القرّاء فكان لهم رسوم غير ذلك. ومن حين يركب الخليفة من القصر إلى الجامع حتى يعود، الصدقات تعمّ الناس» .
قلت: وأظنّ أنّ الدينار كان غير دينار زماننا هذا؛ فإنّه قال- بعد ما ذكر لمعبّى الفاكهة دينارين-: فأمّا الفواكه التى كانت تعبى بالجامع فإنّها كانت تباع بجملة كثيرة ويتزاحم الناس على شرائها لبركاتها ويقسم ثمنها بين الإمام والمؤذّنين.
قلت: ولعلّ هذا كان رسما للمعبىّ غير ثمن الفاكهة. والله أعلم.
ودام هذا الترتيب إلى آخر وقت، إلى أيّام العاضد آخر خلفاء مصر من بنى عبيد. ونذكر أيضا في ترجمة الامر بأحكام الله من العبيديين كيفية خروج الخليفة إلى الجامع بأزيد من هذا عند ما نحكى ما كان يقع له من الوجد في خطبته، إن شاء الله تعالى.