قلت: ومعنى قول الذهبىّ:" ومصر" فإنّه معلوم من كون خلفاء بنى عبيد كانوا يظهرون الرفض وسبّ الصحابة، وكذلك جميع أعوانهم وعمّالهم. وأمّا قوله:
" ببغداد" فإنّه كان بسبب عضد الدولة الآتى ذكره، فإنّه كان أيضا يتشيّع ويكرم جانب الرافضة.
وفيها توفّى السلطان عضد الدولة أبو شجاع فنّاخسرو- وقيل بويه على اسم جدّه، وفنّاخسرو أشهر- ابن السلطان ركن الدولة الحسن بن بوية بن فنّاخسرو الدّيلمىّ.
ولى مملكة فارس بعد عمّه عماد الدولة، ثمّ قوى على ابن عمّه عزّ الدولة بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، وأخذ منه «١» العراق وبغداد. وقد تقدّم من ذلك نبذة يسيرة فى حوادث بعض السنين. وبلغ سلطانه من سعة المملكة والاستيلاء على الممالك ما لم يبلغه أحد من بنى بويه، ودانت له البلاد والعباد. وهو أوّل من خوطب بالملك شاهنشاه في الإسلام، وأوّل من خطب له على منابر بغداد بعد الخلفاء، وأوّل من ضربت الدبادب على باب داره. وكان فاضلا نحويّا، وله مشاركة في فنون كثيرة، وله صنّف أبو علىّ الفارسىّ" الإيضاح". قال أبو على الفارسىّ، منذ تلقّب شاهنشاه تضعضع أمره، وما كفاه ذلك حتّى مدح نفسه؛ فقال:[الرمل]
عضد الدولة وابن ركنها ... ملك الأملاك غلّاب القدر
ولمّا أحسّ بالموت تمثّل بشعر القاسم بن عبد الله الوزير، وهو قوله:[الطويل]
قتلت صناديد الرجال فلم أدع ... عدوّا ولم أمهل على ظنّة خلقا
وأخليت دور الملك من كلّ نازل ... وبدّدتهم غربا وشرّدتهم شرقا
ثمّ جعل يبكى ويقول:" ما أغنى عنّى ماليه! هلك عنى سلطانيه! " وصار يردّدها إلى أن مات في شوّال ببغداد وله سبع وأربعون سنة. وتولّى الملك من بعده ابنه