عليهم رجل حازم صارم تثق إليه فيأتي إلى مصر، فإنه سيأتيه من كان من أهلها على رأينا فنظاهره على من كان بها من أعدائنا، قال معاوية: أو غير ذلك؟ قال:
وما هو؟ قال: نكاتب من بها من شيعتنا نأمرهم على أمرهم ونمنيهم قدومنا عليهم فتقوى قلوبهم ونعلم صديقنا من عدوّنا، وإنّك يا بن العاص بورك لك فى العجلة، قال عمرو: فاعمل برأيك فو الله ما أرى أمرك إلا صائراً للحرب، قال: فكتب إليهم معاوية كتاباً يثني عليهم ويقول: هنيئاً لكم بطلب دم الخليفة المظلوم وجهادكم أهل البغي، وقال في آخره: فاثبتوا فإن الجيش واصل إليكم والسلام. وبعث بالكتاب مع مولى يقال له سبيع فقدم مصر، وأميرها محمد بن أبي بكر الصديق، فدفع الكتاب إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري وإلى معاوية بن حديج، فكتبا جوابه:
أما بعد، فعجل علينا بخيلك ورجلك، فإن عدونا قد أصبحوا لنا هائبين، فإن أتانا المدد من قبلك يفتح الله علينا، وذكرا كلاماً طويلاً؛ وكان مسلمة ومعاوية ابن حديج يقيمان بخربتا في عشرة آلاف، وقد باينوا محمد بن أبي بكر ولم يحسن محمد تدبيرهم كما كان يفعله معهم قيس بن سعد بن عبادة أيام ولايته على مصر، فلذلك انتقضت على محمد الأمور وزالت دولته؛ ولما وقف معاوية على جوابهما وكان يومئذ بفلسطين جهز عمرو بن العاص في ستة آلاف وخرج معه معاوية يودعه وأوصاه بما يفعل، وقال له: عليك بتقوى الله والرفق فإنه يمن والعجلة من الشيطان، وأن تقبل ممن أقبل وتعفو عمن أدبر، فإن قبل فهذه نعمة، وإن أبى فإن السطوة بعد المعذرة أقطع من الحجة، وادع الناس إلى الصلح والجماعة؛ فسار عمرو حتى وصل الى مصر واجتمعت العثمانية عليه، فكتب عمرو إلى محمد بن أبي بكر صاحب مصر.