فى كلّ سنة أن يركب على النّجب مع النساء والحشم إلى جبّ عميرة «١» ، وهو موضع نزهة، فيخرج إليه بهيئة أنّه خارج إلى الحجّ على سبيل الهزء والمجانة، ومعه الخمر فى الرّوايا عوضا عن الماء ويسقيه الناس، كما يفعل بالماء فى طريق مكّة. فلمّا كان فى جمادى الآخرة خرج على عادته المذكورة، فاتّفق أنّ بعض الأتراك جرّد سيفا فى سكرته على بعض عبيد الشّراء، فاجتمع عليه طائفة من العبيد فقتلوه؛ فاجتمع الأتراك بالمستنصر هذا وقالوا له: إن كان هذا عن رضاك فالسمع والطاعة، وإن كان عن غير رضاك فلا نرضى بذلك، فأنكر المستنصر ذلك؛ فاجتمع جماعة من الأتراك وقتلوا جماعة من العبيد بعد أن حصل بينهم وبين العبيد قتال شديد على كوم شريك «٢» وانهزم العبيد من الأتراك. وكانت أمّ المستنصر تعين العبيد بالأموال والسّلاح؛ فظفر بعض الأيام أحد الأتراك بذلك، فجمع طائفة الأتراك ودخلوا على المستنصر وقاموا عليه وأغلظوا له فى القول، فحلف لهم أنّه لم يكن عنده خبر.
وصار السيف قائما بينهم. ثمّ دخل المستنصر على والدته وأنكر عليها. ودامت الفتنة بين الأتراك والعبيد إلى أن سعى وزير الجماعة أبو الفرج بن المغربىّ- وأبو الفرج هذا هو أوّل من ولى كتابة الإنشاء بمصر- ولا زال الوزير أبو الفرج هذا يسعى بينهم