الريف فرخصت الأسعار ورجعت إلى عادتها القديمة. ثمّ أخذ الإسكندرية وسلّمها إلى القاضى ابن المحيرق. وأصلح أموال الصعيد واستدعى أكابرهم إليه، فجاءه منهم الكثير. وصلح الحال لهلاك الأضداد، ورفعت الفتن، وانفرد أمير الجيوش بدر الجمالىّ بالأمر إلى أن مات فى خلافة المستنصر. وتولّى بعده ابنه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ المذكور. ويأتى ذكر ذلك وغيره مما ذكرنا من الغلاء والفناء والحروب فى الحوادث المتعلّقة بالمستنصر من سنين خلافته على سبيل الاختصار، كما هو عادة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ودام المستنصر فى الخلافة وهو كالمحجور عليه مع بدر الجمالىّ؛ ثم من بعده مع ولده الأفضل شاهنشاه إلى أن توفّى بالقاهرة فى يوم عيد الفطر، وهو يوم الخميس سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وبايع الناس ابنه أحمد من بعده، ولقّب بالمستعلى بالله. وقام الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالى بتدبير ملكه. وقد تقدّم مدّة إقامة المستنصر فى الخلافة، وكم عاش من السنين فى أوّل ترجمته فيطلب هناك.
وممّا رثى به المستنصر قول حظّى الدولة أبى المناقب عبد الباقى بن علىّ التنوخىّ الشاعر:
[الطويل]
وليس ردى المستنصر اليوم كالرّدى ... ولا أمره أمر يقاس به أمر
لقد هاب ملك الموت إتيانه ضحّى ... ففاجأه ليلا ولم يطلع الفجر
فأجرى عليه حين مات دموعنا ... سماء فقال الناس لا بل هو القطر
وقد بكت الخنساء صخرا وإنّه ... ليبكيه من فرط المصاب به الصخر
وقلّدها المستعلى الظّهر حسب ما ... عليه قديما نصّ والده الطّهر