للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها توفّى هيّاج بن عبيد بن الحسين أبو محمد الحطّينىّ الزاهد- وحطّين: قرية غربىّ طبريّة. ويقال: إن قبر شعيب عليه السلام بها، وبنته صفوراء زوجة موسى عليه السلام أيضا بها. وحطّين بكسر الحاء المهملة وفتحها-. وكان هيّاج المذكور إماما زاهدا. سمع الحديث وبرع، وجاور بمكّة وصار فقيه الحرم ومفتى مكّة.

وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ويأكل فى كلّ ثلاثة أيام مرّة، ويعتمر فى كلّ يوم ثلاث مرّات على قدميه. وأقام بالحرم «١» أربعين سنة لم يحدث فيه، وكان يخرج إلى الحلّ ويقضى حاجته. وكان يزور النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى كلّ سنة ماشيا، وكان يزور عبد الله بن عبّاس فى كلّ سنة مرّة بالطائف؛ ويأكل أكلة بالطائف وأخرى بمكة، وما كان يدّخر شيئا، ولم يكن له غير ثوب واحد. وفيه قال بعضهم:

[الوفر]

أقول لمكّة ابتهجى وتيهى ... على الدنيا بهيّاج الفقيه

إمام طلقّ الدنيا ثلاثا ... فلا طمع لها من بعد فيه

وكان سبب موته أنّ بعض الرافضة شكا إلى صاحب مكّة محمد بن أبى هاشم، قال: إنّ أهل السّنة يستطيلون علينا بهيّاج، وكان صاحب مكّة المذكور رافضيا خبيثا، فأخذه وضربه ضربا عظيما على كبر سنّة، فبقى أيّاما ومات، وقد نيّف على الثمانين سنة، ودفن إلى جانب الفضيل بن عياض، رحمة الله عليهما. ولمّا مات قال بعض العلماء: لو ظفرت النصارى بهيّاج لما فعلوا فيه ما فعله به صاحب مكة هذا الخبيث!. قلت: وهم الآن على هذا المذهب سوى أنّ الله تعالى قمعهم بالدولة التركيّة ونصر أهل السنّة عليهم، وجعلهم رعايا ليس لهم بمكّة الآن غير مجرّد الاسم.