ومات المستعلى صاحب الترجمة فى يوم الثلاثاء تاسع صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وقيل: فى ثالث عشر صفر، والأوّل أشهر. ومات وله سبع وعشرون سنة، وكانت خلافته سبع سنين وشهرين وأياما. وتولّى الخلافة بعده ابنه الآمر بأحكام الله منصور. وكان المتصرّف فى دولته وزيره الأفضل سيف الإسلام شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ. فانتظمت أحوال مصر بتدبيره؛ واشتغل بها عن السواحل الشاميّة حتى استولت الفرنج على غالبها؛ وندم على ذلك حين لا ينفع الندم.
وكان المستعلى حسن الطريقة فى الرعيّة، جميل السيرة فى كافّة الأجناد، ملازما لقصره كعادة أبيه، مكتفيا بالأفضل فيما يريده، إلا أنّه كان مع تقاعده عن الجهاد وتهاونه فى أخذ البلاد متغاليا فى الرّفض والتشيّع؛ كان يقع منه الأمور الشنيعة فى مأتم عاشوراء، وببالغ فى النّوح والمأتم، ويأمر الناس بلبس المسوح وغلق الحوانيت واللطم والبكاء زيادة عما كان يفعله آباؤه، مع أنّ الجميع رافضة، ولكنّ التفاوت نوع آخر.
وأما الذي كان يفعله آباؤه وأجداده من النّوح فى يوم عاشوراء والحزن وترتيبه، فإذا كان يوم العاشر من المحرّم احتجب الخليفة عن الناس، فإذا علا النهار ركب قاضى القضاة والشهود وقد غيروا زيّهم ولبسوا قماش الحزن، ثم صاروا إلى المشهد الحسينىّ بالقاهرة- وكان قبل ذلك يعمل المأتم بالجامع الأزهر- فإذا جلسوا فيه بمن معهم من الأمراء والأعيان وقرّاء الحضرة والمتصدّرين فى الجوامع، جاء الوزير فجلس صدرا، والقاضى وداعى الدّعاة من جانبيه، والقرّاء يقرءون نوبة بنوبة، ثم ينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة أشعارا يرثون بها الحسن والحسين وأهل البيت، وتصيح الناس بالضجيج والبكاء والعويل- فإن كان الوزير رافضيّا على