وفيها توفّى عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار أبو يوسف القزوينىّ شيخ المعتزلة. كان إماما فى فنون، فسّر القرآن فى سبعمائة مجلّد- وقيل فى أربعمائة، وقيل ثلثمائة- وكان الكتاب وقفا فى مشهد أبى حنيفة رضى الله عنه. وكان رحل إلى مصر وأقام بها أربعين سنة. وكان محترما فى الدول، ظريفا، حسن العشرة، صاحب نادرة. قيل: إنّه دخل على نظام الملك الوزير وكان عنده أبو محمد التميمىّ ورجل آخر أشعرىّ، فقال له القزوينىّ: أيّها الصدر قد اجتمع عندك رءوس أهل النار.
قال نظام الملك: وكيف ذلك؟ قال: أنا معتزلىّ، وهذا مشبّه (يعنى التميمىّ) وذلك أشعرىّ، وبعضنا يكفّر بعضا؛ فضحك النظام. وقيل: إنّه اجتمع مع ابن البراج متكلّم الشّيعة، فقال له ابن البراج: ما تقول فى الشيخين؟ فقال: سفلتين ساقطين. قال: من تعنى؟ قال: أنا وأنت. وكانت وفاة القزوينىّ هذا فى ذى القعدة، وقد بلغ ستّا وتسعين سنة، ودفن بمقابر الخيزران عند أبى حنيفة، رضى الله عنه.
وفيها توفّى محمد بن فتوح بن عبد الله بن حميد أبو عبد الله بن أبى نصر الحميدىّ الأندلسىّ. كان من جزيرة «١» ميورقة. ولد قبيل الأربعمائة، وسمع الكثير ورحل إلى الأقطار ثم استوطن بغداد. وكان مختصّا بصحبة ابن حزم الظاهرىّ، وحمل عنه أكثر كتبه. قال ابن ماكولا:«صديقنا أبو عبد الله الحميدىّ من أهل العلم والفضل، ورد بغداد وسمع أصحاب الدارقطنىّ وابن شاهين وغيرهم، وسمع منه خلق كثير، وصنّف «تاريخ الأندلس» ، ولم أر مثله فى عفّته ونزاهته» .