فلا يمكن إخرابه، وكانت الناس على أصعب حال، واشتد تعب الناس مما قاسوه فى خرابها.
وفى تلك الليلة وصل للملك العادل من حلب من أخبره أنّ الفرنج تحدّثوا معه فى الصلح، وطلبوا جميع البلاد الساحليّة، فرأى السلطان أنّ ذلك مصلحة لما علم من نفوس الناس والعساكر من الضّجر من القتال وكثرة ما عليه من الديون؛ فكتب السلطان إلى أخيه الملك العادل يأذن له فى ذلك، وفوّض الأمر إلى رأيه، وأصبح السلطان يوم الجمعة وهو مصرّ على الخراب، ويستعجل الناس عليه ويحثّهم على العجلة فيه؛ وأباحهم ما فى الهرى «١» الذي كان مدخرا للميرة خوفا من أن يهجم العدوّ والعجز عن نقله. ثمّ أمر السلطان بإحراق البلد فأضرمت النيران فى بيوته، ولم يزل الخراب يعمل فى البلد الى سلخ شعبان المذكور؛ ثم أصبح السلطان يوم الاثنين مستهلّ شهر رمضان، أمر ولده الملك الأفضل أن يباشر خراب البلد بنفسه وخواصّه.
قال ابن شدّاد، ولقد رأيته يحمل الخشب بنفسه (يعنى الملك الأفضل) .
وفى يوم الأربعاء ثالث شهر رمضان أتى السلطان الرّملة وأشرف عليها، وأمر أيضا بإحراقها وإخراب قلعتها (يعنى الرملة) فأحرقت وأخربت قلعتها خوفا أيضا من الفرنج.
وفى يوم السبت ثالث عشر رمضان تأخّر السلطان والعسكر إلى جهة الجبل ليتمكّن الناس من تسيير دوابّهم لإحضار ما يحتاجون إليه. ثم شرع السلطان أيضا فى خراب قلعة الماطرون «٢» ، وكانت قلعة منيعة فشرع الناس فى ذلك. ثم ذكر ابن شدّاد فصلا طويلا يتضمّن الصلح بين الأنكلتير «٣» ملك الفرنج وبين السلطان صلاح الدين المذكور إلى أن قال: وحاصل الأمر أنه تمّ الصلح بينهم، وكانت الأيمان يوم