للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصبّر العادل وجعله فى محفّة وعنده خادم يروّح عليه وقد رفع طرف سجافها وأظهر أنّه مريض، ودخلوا به دمشق يوم الأحد والناس يسلّمون على الخادم، وهو يومئ إلى ناحية العادل ويردّ السلام؛ ودخلوا به القلعة وكتموا موته؛ و [من «١» العجائب أنهم] طلبوا له كفنا فلم يقدروا عليه، فأخذوا عمامة الفقيه ابن فارس فكفّنوه بها، وأخرجوا قطنا من مخدّة فلفّوه به، وصلّى عليه [وزيره «٢» ] ابن فارس ودفنوه فى القلعة.

قال أبو المظفّر: وكنت قاعدا إلى جانب المعظّم عند باب الدار التى فيها الإيوان وهو واجم ولم أعلم بحاله؛ فلمّا دفن أبوه قام قائما وشقّ ثيابه ولطم رأسه ووجهه، وكان يوما عظيما، وعمل له العزاء ثلاثة أيام بالإيوان الشمالى، وعمل له العزاء فى الدنيا كلّها، ونودى ببغداد من أراد الصلاة على الملك العادل الغازى المجاهد فى سبيل الله فليحضر إلى جامع القصر، فحضر الناس ولم يتخلّف سوى الخليفة، وصلّوا عليه صلاة الغائب وترحّموا عليه، وتقدّموا إلى خطباء الجوامع بأسرهم، ففعلوا ذلك بعد صلاة الجمعة. وبقى العادل بالقلعة إلى سنة تسع عشرة وستمائة، [ثم] نقل إلى تربته التى أنشأها عند دار العقيقىّ «٣» ومدرسته.

- قلت: لا أعلم ما كان السبب فى عدم وجود الكفن القطن للملك العادل مع همة ولده الملك المعظّم عيسى وأخذه من عالقين ميتا فى محفّة ولم يفطن به أحد.

وهذا أعظم وأكثر كلفة وأصعب من شراء ثوب بعلبكّىّ، وما يحتاج إليه الميت من الحنوط والقطن وغيره فلعلّ لها «٤» عذرا وأنت تلوم-.