وقطعوا شعورهم ومزّقوا ثيابهم، وفعلوا أشياء من هذه الفعال؛ ثم خرجوا هاربين وتركوا أموالهم وأهاليهم، وما شكّوا أنّ الفرنج تصبّحهم، وامتلأت بهم الطّرقات؛ فتوجّه بعضهم إلى مصر، [وبعضهم «١» الى الكرك] ، وبعضهم إلى دمشق، وكانت البنات المخدّرات يمزّقن ثيابهنّ ويربطنها على أرجلهن من الحفا؛ ومات خلق كثير من الجوع والعطش، ونهبت الأموال التى كانت لهم بالقدس، وبلغ ثمن القنطار الزيت عشرة دراهم، والرّطل النّحاس نصف درهم؛ وذمّ الناس المعظّم؛ فقال بعض أهل العلم فى ذلك:
فى رجب حلّل الحميّا «٢» ... وأخرب القدس فى المحرّم
وقال القاضى مجد الدين محمد بن عبد الله الحنفىّ قاضى الطّور «٣» فى خراب القدس:
مررت على القدس الشريف مسلّما ... على ما تبقّى من ربوع كأنجم
ففاضت دموع العين منّى صبابة ... على ما مضى من عصرنا «٤» المتقدّم
وقد رام علج أن يعفّى رسومه ... وشمّر عن كفّى لئيم مذمّم
فقلت له شلّت يمينك خلّها ... لمعتبر أو سائل أو مسلّم
فلو كان يفدى بالنفوس فديته ... بنفسى وهذا الظنّ فى كلّ مسلم
وفيها حجّ بالناس من العراق أقباش [بن عبد الله «٥» ] الناصرىّ، ومن الشام مملوك الملك المعظّم عيسى.