[الجزء الأول]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدّمة لكتب التراث العربى
بقلم السيد الدكتور محمد عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإرشاد القومى إن الأمم العظيمة لا ترضى، ولا تستطيع، أن تنسلخ عن تاريخها، وتاريخها هو وعاء ثقافتها وحضارتها، فى حقب هذا التاريخ نشأت ونمت وتطوّرت، واجتازت محنا، وحققت مجدا. وكما أن سجل هذه الأحداث تشهد به الآثار الباقية من عمارة ومشروعات فإن الكلمة المكتوبة كانت منذ قديم سجلا لتراث الأمم، سردا لتاريخها، وتصويرا لآمالها وعواطفها شعرا ونثرا، وتسجيلا للآراء السائدة فى عصورها المختلفة، مما يرتفع أحيانا الى مرتبة الحكمة والمذهب الفلسفى، ومما لا يزيد على أن يكون خطرات لأفراد.
ونهضتنا الحاضرة، التى انبثقت فى جميع ميادين الحياة، منذ فجر ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢، لم تتنكر لماضى أمتنا العربية، ولم تغفل تراثنا الاسلامى العريق.
ففى الوقت الذي تعمل فيه على التطوّر تحت راية العلم، وفى ركبه الزاحف، ترعى تراثها العريق الذي كانت أشعته تضىء ظلام العالم فى أيام ازدهار ماضينا.
فكما أن رئيسنا وقائد ثورتنا يعلن فى" الميثاق الوطنى" أن العلم هو السلاح الحقيقى للإرادة الثورية، ومن هنا الدور العظيم الذي لا بد للجامعات ولمراكز العلم على مستوياتها المختلفة أن تقوم به...... والعلم هو السلاح الذي يحقق النصر الثورى، يعلن كذلك أن العمل العظيم الذي تمكن الشعب من إنجازه بالثورة الشاملة ذات الاتجاهات المتعدّدة، قد تحقق بفضل ضمانات تمكن النضال الشعبى من توفيرها، ومنها وعيه العميق بالتاريخ وأثره على الإنسان المعاصر من ناحية، ومن ناحية أخرى لقدرة هذا الإنسان على التأثير فى التاريخ؛ ومنها إيمان لا يتزعزع بالله، وبرسله، ورسالاته القدسية التى بعثها بالحق والهدى إلى الإنسان فى كل زمان ومكان.
وأن مشعل الحضارة انتقل من بلد إلى بلد، لكنه فى كل بلد كان يحصل على زيت جديد يقوى به ضوءه على امتداد الزمان.
وأن شعبنا، إلى جانب ما قام به من تحمل المسئولية المادية والعسكرية فى صدّ أول موجات الاستعمار الأوربى، وردّ غزوات التتار، قد تحمل كذلك المسئولية الأدبية فى حفظ التراث الحضارى العربى وذخائره الحافلة.
وأنه يتعين علينا أن نذكر دائما أن الطاقات الروحية التى تستمدها الشعوب من مثلها العليا النابعة من أديانها السماوية، أو من تراثها الحضارى، قادرة على صنع المعجزات.
وفى ضوء هذه التوجيهات تقوم المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر بمساهمتها فى نشر التراث العربى، كجزء من برامجها التى تساهم فيها بنشر الثقافة الحديثة بجميع فروعها.
وهى فى ذلك تقدم هذه الخدمة الثقافية للأمة العربية فى جميع أجزاء الوطن العربى الكبير، فإن هذا التراث ثمرة العقول العربية فى خمسة عشر قرنا من الزمان، وفى جميع الوطن العربى من غربيه إلى شرقيه، ومن شماليه إلى جنوبيه، متضمنا ما كتبه أسلافنا فى إفريقيا وآسيا وأوروبا نفسها فى الأندلس العظيمة.
وحسبنا فى بيان أهمية هذا التراث أنه باللغة العظيمة التى تجمعنا- نحن العرب جميعا- وأنه يتصل بتاريخنا، نحن العرب جميعا.
فلقد قال الرئيس جمال عبد الناصر فى" الميثاق الوطنى":
" يكفى أن الأمة العربية تملك وحدة اللغة التى تصنع وحدة الفكر والعقل ...
ويكفى أن الأمة العربية تملك وحدة التاريخ التى تصنع وحدة الضمير والوجدان".
والله الموفق فيما نقصد وما نعمل.
الدكتور محمد عبد القادر حاتم
القاهرة فى المحرم سنة ١٣٨٣ هـ يونيه (حزيران) ١٩٦٣ م بسم الله الرّحمن الرّحيم كتاب النجوم الزاهرة
تصدير
هذا كتاب كبير يؤرخ لمصر منذ الفتح الإسلامى من سنة ٢٠ هـ إلى خلال سنة ٨٧٢ هـ ألفه جمال الدين يوسف بن تغرى بردى الأتابكى القاهرى المولد والوفاة.
وقبل أن يصدر القسم الأدبى بدار الكتب الجزء الأوّل من هذا الكتاب كان المستشرق الهولندى «يونبل» قد نشر منه بين سنتى (١٨٥١، ١٨٥٥) مجلدين كبيرين يشتملان على الأحداث من سنة ٢٠ هـ إلى سنة ٣٦٥ هـ، ومن بعده نشر المستشرق الإمريكي «وليم پوپر» عشرة مجلدات تبدأ من حيث انتهى سلفه المستشرق الهولندى وتنتهى إلى آخر الكتاب أى سنة ٨٧٢ هـ، غير أنها تنقصها الأحداث من سنة ٥٦٥ هـ إلى سنة ٨٠٠ هـ.
وحين استقبل القسم الأدبى بدار الكتب المصرية العمل فى هذا الكتاب استقبله بإضافات جديدة:
١- فقد استأنس بمخطوطة جديدة.
٢- وحرّر من متنه الكثير بالرجوع إلى الأمهات المنقول عنها.
٣- وضم إليه دراسات علمية جديدة عن الأماكن المذكورة فيه.
٤- وعرض لمغلقه بالشروح الكثيرة.
٥- ثم أضاف إلى كل جزء فهرسا جامعا خاصا به.
€