وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله أبى العباس أحمد الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. ولى الخلافة بعد وفاة أبيه فى السنة الماضية فلم تطل مدّته فيها، ووقع له شدائد إلى أن مات فى شهر رجب؛ وامّه أمّ ولد. وكانت خلافته تسعة أشهر وأيّاما، وكان مولده فى المحرّم سنة «١» سبعين وخمسمائة، وكان جميل الصورة أبيض مشربا بحمرة حلو الشمائل شديد القوى.
أفضت الخلافة إليه، وله اثنتان وخمسون سنة إلا أشهرا، فقيل له: ألا تنفسح؟
فقال: قد فات الزرع! فقيل له: يبارك الله فى عمرك، فقال: من فتح دكّانا بعد العصر إيش يكسب!. وكان خيّرا عادلا قطع الظّلامات والمكوس، حتّى قيل:
إنّ جملة ما قطع من الظّلامات والمكوس ثمانية آلاف دينار فى كلّ سنة، وتصدّق فى ليلة العبد بمائة ألف دينار. وسببه أنّه لمّا ولى الخلافة ولّى الشيخ عماد «٢» الدين ابن الشيخ عبد القادر الجيلىّ القضاء، فما قبل عماد الدين إلّا بشرط أن يورّث ذوى الأرحام، فقال له الخليفة: أعط كلّ ذى حقّ حقّه واتّق الله ولا لتثق بسواه؛ فكلّمه القاضى أيضا فى الأوراق التى ترفع إلى الخليفة؛ وهو أنّ حرّاس الدروب كانت ترفع إلى الخليفة فى صبيحة كلّ يوم ما يكون عندهم من أحوال الناس الصالحة والطالحة، فأمر الظاهر بتبطيل ذلك، وقال: أىّ فائدة فى كشف أحوال الناس! فقيل له: إن تركت ذلك فسدت أحوال الرعيّة، فقال: نحن ندعو لهم بالإصلاح.
ثم أعطى القاضى المذكور عشرة آلاف دينار يفى بها ديون من فى السجون من الفقراء، ثم فرّق بقيّة المائة الألف الدينار فى العلماء والفقراء. ولمّا مات الظاهر تولّى الخلافة بعده ولده المستنصر بالله أبو جعفر.