للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو المظفّر فى تاريخه مرآة الزمان: «وفى أوّل ليلة منها (يعنى سنة ثمان وأربعين) كان المصافّ بين الفرنج والمسلمين على المنصورة بعد وصول المعظّم توران شاه إلى المخيّم، ومسك الفرنسيس وقتل من الفرنج مائة [ألف «١» ] ، ووصل كتاب المعظّم توران شاه إلى جمال الدين بن يغمور (يعنى إلى نائب الشام) يقول: «الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن. وما النصر إلّا من عند الله. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. وأمّا بنعمة ربّك فحدّث. وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها. نبشّر المجلس السامى الجمالىّ، بل نبشّر الإسلام كافّة بما منّ الله به على المسلمين، من الظّفر بعدوّ الدين، فإنّه كان قد استفحل أمره واستحكم شرّه؛ ويئس العباد من البلاد، [والأهل «٢» ] والأولاد؛ فنودوا: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ

الآية. ولمّا كان يوم الأربعاء «٣» مستهلّ السنة المباركة تممّ الله على الإسلام بركتها؛ فتحنا الخزائن، وبذلنا الأموال، وفرّقنا السلاح، وجمعنا العربان والمطّوّعة واجتمع خلق لا يحصيهم إلّا الله تعالى، فجاءوا من كلّ فجّ عميق، ومن كلّ مكان بعيد سحيق؛ ولمّا رأى العدوّ ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع عليه الاتّفاق بينهم وبين الملك العادل أبى بكر فأبينا. ولمّا كان فى الليل تركوا خيامهم وأثقالهم وأموالهم وقصدوا دمياط هاربين، فسرنا فى آثارهم طالبين؛ وما زال السيف يعمل فيهم عامّة الليل، ويدخل فيهم الخزى والويل. فلمّا أصبحنا نهار الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا غير من ألقى نفسه فى اللّجج. وأمّا الأسرى فحدّث عن البحر ولا حرج؛ والتجأ الفرنسيس إلى المنية «٤» وطلب الأمان فأمّناه، وأخذناه وأكرمناه؛ وتسلّمنا دمياط بعونه وقوته، وجلاله وعظمته» .