وهذه البركة لم تكن بركة عميقة فيها ماء راكد بالمعنى المفهوم الآن من لفظ بركة وإنّما كانت تطلق على حوض من الأراضى الزراعيّة التى يغمرها ماء النيل وقت فيضانه سنويا بواسطة خليج بنى وائل الذي كان يأخذ ماءه من النيل جنوبى مصر القديمة، فكانت الأرض وقت أن يغمرها الماء تشبه البرك ولهذا سميت بركة. وبعد أن ينتهى فيضان النيل ويصرف الماء عنها تنكشف أرضها ولا تحتاج إلى الحرث للينها بل تلاق لوقا وتزرع أصنافا شتوية أسوة بأراضى الملق التى فى حياض الوجه القبلى.
وأمّا اليوم فقد بطلت طريقة الرىّ الحوضى لهذه الأرض وأصبحت تروى ريّا صيفيا وشتويّا من ترعة الخشاب التى تأخذ مياهها من النيل بواسطة طلمبات الليثى ببلدة الصف فى أيام الصيف، وبواسطة طلمبات بلدة الكريمات فى أيام فيضان النيل.
ويتّضح ممّا ذكر المقريزى أنّها سمّيت بركة الحبش لأنّه كان يوجد بجوارها من الجهة الجنوبية جنان تعرف بالحبش فنسبت إليها البركة. ويستفاد مما ذكره أبو صالح الأرمنى فى كتاب الديارات أن هذه الجنان عرفت بالحبش لأنها كانت لطائفة من الرهبان الحبش، يؤيّد ذلك ما ذكره المقريزى أيضا عند الكلام على هذه البركة حيث قال:«وفى تواريخ النصارى أن الأمير أحمد بن طولون صادر البطريق ميخائيل بطرك اليعاقبة على عشرين ألف دينار قباع النصارى رباع الكنائس بالإسكندرية وأرض الحبش بظاهر مصر» .
ومن تطبيق الحدود التى ذكرها المقريزى لهذه البركة على موضعها اليوم يتبين أنها كانت تشغل من الأرض مساحة قدرها نحو ١٥٠٠ فدان: منها ٢١٣ فدانا وهو مجموع الزمام المنزرع من أرأضى قرية دير الطين، والباقى من زمام ناحية البساتين، وتحدّ هذه المنطقة اليوم من الشمال بصحراء جبانة مصر وجبل الرصد الذي يعرف اليوم بجبل اصطبل عنتر وأرض قرية أثر النبي فى الحدّ الفاصل بينها وبين دير الطين،