فبادر إليه، وحمل الملك الظاهر من القلعة إلى التّربة ليلا على أعناق الرجال، ودفن بها ليلة الجمعة خامس شهر رجب الفرد، وكان قد ظهر موته بدمشق فى يوم السبت رابع عشر صفر، وشرع العمل فى أعزيته بالبلاد الشاميّة والديار المصريّة.
قال الأمير بيبرس «١» الدّوادار فى تاريخه- وهو أعرف بأحواله من غيره- قال: وكان القمر قد كسف كسوفا كاملا أظلم له الجوّ وتأوّل ذلك المتأولّون بموت رجل جليل القدر؛ فقيل: إنّ الملك الظاهر لمّا بلغه ذلك حذر على نفسه وخاف وقصد أن يصرف التأويل إلى غيره لعلّه يسلم من شرّه، وكان بدمشق شخص من أولاد الملوك الأيّوبيّة، وهو الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك ابن السلطان الملك المعظّم عيسى ابن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيّوب، فأراد الظاهر، على ما قيل، اغتياله بالسمّ، فأحضره فى مجلس شرابه فأمر الساقى أن يسقيه قمزّا ممزوجا، فيما يقال، بسمّ، فسقاه الساقى تلك الكأس فأحسّ به وخرج من وقته، ثم غلط الساقى وملأ الكأس المذكورة وفيها أثر السمّ، ووقعت الكأس فى يد الملك الظاهر فشربه، فكان من أمره ما كان. انتهى كلام بيبرس الدّوادار باختصار.
قلت: وهذا القول مشهور وأظنّه هو الأصحّ فى علّة موته، والله أعلم.
وكانت مدّة ملكه تسع عشرة سنة وشهرين ونصفا، وملك بعده ابنه الملك السعيد ناصر الدين محمد المعروف ببركة خان؛ وكان تسلطن فى حياته من مدّة سنين حسب ما تقدّم ذكره.
وكان الملك الظاهر رحمه الله ملكا شجاعا مقداما غازيا مجاهدا مرابطا خليقا بالملك خفيف الوطأة سريع الحركة يباشر الحروب بنفسه.