فلم يلتفت أهل دمشق إلى كلامه. وخطب بجامع دمشق للملك المنصور قلاوون وجوامع الشام بأسرها خلا مواضع يسيرة توقّفوا، ثم خطبوا بعد ذلك.
وأمّا الملك المنصور قلاوون فإنّه فى شهر رمضان عزل الصاحب برهان الدين السّنجارىّ «١» عن الوزارة بالديار المصريّة، وأمره بلزوم مدرسة «٢» أخيه قاضى القضاة بدر الدين السّنجارىّ بالقرافة الصغرى، واستقرّ مكانه فى الوزاره الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالديار المصريّة، وتولّى عوضه صحابة الديوان القاضى فتح الدين محمد ابن القاضى محيى الدين [عبد «٣» الله] بن عبد الظاهر، وهو أوّل كاتب سرّ كان فى الدولة التّركية وغيرها، وإنما كانت هذه الوظيفة فى ضمن الوزارة، والوزير هو المتصرّف فى الديوان، وتحت يده جماعة من الكتاب الموقّعين، وفيهم رجل كبير كنائب كاتب السّر الآن، سمّى فى الآخر صاحب ديوان الإنشاء. ومن الناس من قال: إنّ هذه الوظيفة قديمة. واستدلّ بقول صاحب صبح الأعشى وغيره ممّن كتب للنبىّ، صلى الله عليه وسلم، ومن بعده.
وردّ على من قال ذلك جماعة أخر، وقالوا: ليس فى ذكر من كتب للنبىّ، صلّى الله عليه وسلّم، وغيره من الخلفاء دلاله على وظيفة كتابة السّر، وإنّما هو دليل لكلّ كاتب كتب لملك أو سلطان أو غيرهما كائنا من كان، فكلّ كاتب كتب عند رجل يقول: هو أنا ذاك الكاتب، وإذا الأمر احتمل واحتمل سقط الاحتجاج به. ومن قال: إنّ هذه الوظيفة ما أحدثها إلّا الملك المنصور قلاوون فهو الأصح، ونبيّن ذلك، إن شاء الله تعالى، فى أواخر هذه الترجمة، وتذكر من ذكره