وفيها توفّى الصاحب تاج الدين أحمد بن [المولى «١» ] شرف الدين سعيد ابن شمس الدين محمد بن الأثير الحلبى الكاتب المنشئ. وأولاد ابن الأثير هؤلاء غير بنى الأثير الموصليّين. وكان تاج الدين هذا بارعا فاضلا معظّما فى الدّول باشر الإنشاء بدمشق ثم بمصر للملك الظاهر بيبرس، ثم للملك المنصور قلاوون، وكان له نظم ونثر ولكلامه رونق وطلاوة. ومن عجيب ما اتّفق أنّ الأمير عز الدين أيدمر السّنانىّ النّجيبىّ الدّوادار أنشد تاج الدين المذكور عند قدومه إلى القاهرة فى الأيام الظاهريّة أوّل اجتماعه به، ولم يكن يعلم اسمه ولا اسم أبيه، قول الشاعر:
كانت مساءلة الرّكبان تخبرنى ... عن أحمد بن سعيد أحسن الخبر
حتّى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذنى بأحسن ممّا قد رأى بصرى
فقال له تاج الدين: يا مولانا، أتعرف أحمد بن سعيد؟ فقال: لا، فقال: المملوك أحمد بن سعيد. ولم يزل تاج الدين هذا يترقّى الى أن ولى كتابة السرّ بمصر بعد موت فتح الدين محمد بن عبد الظاهر الآتى ذكره. ولمّا ولى كتابة السرّ سافر مع السلطان الى الديار المصريّة فأدركه أجله فمات بغزّة «٢» ودفن هناك؛ وولى بعده كتابة السرّ ابنه عماد الدين «٣» إسماعيل مدّة إلى أن عزل بشرف الدين عبد الوهاب بن فضل «٤» الله العمرىّ.
وكان تاج الدين فاضلا نبيلا، وله يد فى النظم والنثر. ومن شعره القصيدة التى أوّلها:
أتتنى «٥» أياديك التى لو تصوّرت ... محاسنها كانت من الأنجم الزّهر