وأمّا أمر الديار المصريّة فإنه عظم أمر الغلاء بها حتّى أكل بعضهم الميتات والكلاب، ومات خلق كثير بالجوع. والحكايات فى ذلك كثيرة، وانتشر الغلاء شرقا وغربا. وبينما السلطان الملك العادل كتبغا فيما هو فيه من أمر الغلاء ورد عليه الخبر فى صفر بأنّه قد وصل إلى الرّحبة «١» عسكر كثير نحو عشرة آلاف بيت من عسكر بيدو ملك التّتار طالبين الدخول فى الإسلام خوفا من السلطان غازان، ومقدّمهم أمير اسمه طرغاى «٢» ، وهو زوج بنت هولاكو؛ فرسم الملك العادل إلى الأمير علم الدين سنجر [الدوادارى «٣» ] بأن يسافر من دمشق إلى الرّحبة حتّى يتلقاهم، فخرج إليهم، ثم خرج بعده الأمير «٤» سنقر الأعسر شادّ دواوين دمشق، ثم ندب الملك العادل أيضا الأمير قرا سنقر «٥» المنصورىّ بالخروج من القاهرة، فخرج حتّى وصل إلى دمشق لتلقى المذكورين، ورسم له أن يحضر معه فى عوده إلى مصر جماعة من أعيانهم، فوصل قرا سنقر إلى دمشق وخرج لتلقّيهم، ثم عاد إلى دمشق فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل، ومعه من أعيانهم مائة فارس وثلاثة عشر فارسا؛ وفرح الناس بهم وبإسلامهم وأنزلوهم بالقصر الأبلق من الميدان.
وأمّا الأمير علم الدين سنجر الدّوادارى فبقى مع الباقين، وهم فوق عشرة آلاف ما بين رجل كبير وكهل وصغير وامرأة ومعهم ماشية كثيرة ورخت «٦» عظيم، وأقام قرا سنقر بهم أيّاما، ثم سافر بهم إلى جهة الديار المصرية، وقدموا القاهرة فى آخر شهر ربيع الآخر، فأكرمهم السلطان الملك العادل كتبغا ورتّب لهم الرواتب.