ومعه مسعود «١» وابن أبى الليث وهما أعيان مشايخ الكرك فأكرمهم السلطان وأنعم عليهم، وكتب لهم مناشير بجميع ما طلبوه من الإقطاعات والأراضى، وكان من جملة ما طلبه بالغ وحده [نحو «٢» ] أربعمائة وخمسين ألف درهم فى السنة، وكذلك أصحابه.
ثم ركب العسكر للحرب وخرج الكركيّون فلم يكن غير ساعة حتّى انهزموا منهم إلى داخل المدينة، فدخل العسكر أفواجا واستوطنوها، وجدّوا فى قتال أهل القلعة عدّة أيام، والناس تنزل اليهم منها شيئا بعد شىء حتّى لم يبق عند الملك الناصر أحمد بقلعة الكرك سوى عشرة أنفس فأقام يرمى بهم على العسكر وهو يجدّ فى القتال ويرمى بنفسه وكان قوىّ الرّمى شجاعا إلى أن جرح فى ثلاثة مواضع وتمكّنت النقابة من البرج وعلقوه وأضرموا النار تحته، حتّى وقع. وكان الأمير سنجر الجاولى قد بالغ أشدّ مبالغة فى الحصار وبذل فيه مالا كثيرا.
ثم هجم العسكر على القلعة فى يوم الاثنين ثانى عشرين صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة فوجدوا الناصر قد خرج من موضع وعليه زردية وقد تنكّب قوسه وشهر سيفه فوقفوا، وسلّموا عليه فردّ عليهم وهو متجهّم «٣» وفى وجهه جرح، وكتفه أيضا يسيل دما، فتقدّم إليه الأمير أرقطاى والأمير قمارى فى آخرين، وأخذوه ومضوا به إلى دهليز الموضع الذي كان به وأجلسوه، وطيّبوا قلبه وهو ساكت لا يحييهم، فقيّدوه ووكّلوا به جماعة، ورتّبوا له طعاما، فأقام يومه وليلته، ومن باكر الغد يقدّم إليه الطعام فلا يتناول منه شيئا إلى أن سألوه أن يأكل فأبى أن يأكل، حتّى يأتوه بشابّ يقال له: عثمان، كان يهواه فأتوه به فأكل