للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى عدّة أماكن من القلعة إلى الميدان. ثم ركبت أمّ السلطان فى جمعها، وأقبل الناس من كلّ جهة، فبلغ كراء كلّ طبقة مائة درهم، وكلّ بيت كبير لنساء الأمراء مائتى درهم، وكلّ حانوت خمسين درهما، وكلّ موضع إنسان بدرهمين. فكان يوم لم يعهد فى ركوب الميدان مثله.

ثم فى يوم الخميس خامس عشره «١» قبض السلطان الملك المظفّر هذا على أعظم أمرائه ومدبّر مملكته الأمير شجاع الدين غرلو وقتله، وسبب ذلك أمور: منها شدّة كراهية الأمراء له لسوء سيرته، فإنه كان يخلو بالسلطان، ويشير عليه بما يشتهيه، فما كان السلطان يخالفه فى شىء، وكان عمله أمير سلاح فخرج عن الحدّ فى التعاظم، وجسّر السلطان على قتل الأمراء، وقام فى حقّ النائب أرقطاى يريد القبض عليه وقتله، واستمال المماليك الناصريّة والصالحيّة والمظفّريّة بكمالهم، وأخذ يقرّر مع السلطان، أن يفوّض إليه أمور المملكة بأسرها ليقوم عنه بتدبيرها، ويتوفّر السلطان على لذاته.

ثم لم يكفه ذلك، حتّى أخذ يغرى السلطان بألجيبغا وطنيرق وكانا أخصّ الناس بالسلطان، ولا زال يمعن فى ذلك حتى تغيّر السلطان عليهما، وبلغ ذلك ألجيبغا، وتناقلته المماليك فتعصّبوا عليه وأرسلوا إلى الأمراء الكبار، حتى حدّثوا السلطان فى أمره، وخوّفوه عاقبته، فلم يعبأ السلطان بقولهم، فتنكّروا بأجمعهم على السلطان بسبب غرلو إلى أن بلغه ذلك عنهم من بعض ثقاته، فاستشار النائب فى أمر غرلو المذكور، فلم يشر عليه فى أمره بشىء، وقال للسلطان: لعلّ الرجل قد كثرت حسّاده على تقريب السلطان له، والمصلحة التثبّت فى أمره. وكان أرقطاى النائب عاقلا سيوسا، يخشى من معارضته غرض السلطان فيه، فاجتهد ألجيبغا وعدّة من الخاصّكيّة فى التدبير عليه وتخويف السلطان منه ومن سوء عاقبته، حتى أثّر قولهم فى نفس