وكانت هذه السنة (أعنى سنة تسع وأربعين وسبعمائة) كثيرة الوباء والفساد بمصر والشام من كثرة قطع الطريق لولاية الأمير منجك جميع أعمال المملكة بالمال، وانفراده وأخيه بيبغا أرس بتدبير المملكة.
ومع هذا كان فيها أيضا الوباء الذي لم يقع مثله فى سالف الأعصار، فإنه كان ابتدأ بأرض مصر آخر أيام التخضير فى فصل الخريف فى أثناء سنة ثمان وأربعين، فما أهلّ المحرّم سنة تسع وأربعين حتى اشتهر واشتدّ بديار مصر فى شعبان ورمضان وشوّال، وارتفع فى نصف ذى القعدة، فكان يموت بالقاهرة ومصر ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف نفس [إلى عشرين «١» ألف نفس] فى كلّ يوم، وعملت الناس التوابيت والدّكك لتغسيل الموتى للسبيل بغير أجرة، وحمل أكثر الموتى على ألواح الخشب وعلى السلالم والأبواب، وحفرت الحفائر وألقيت فيها الموتى، فكانت الحفيرة يدفن فيها الثلاثون والأربعون وأكثر، وكان الموت بالطّاعون، يبصق الإنسان دما ثمّ يصيح ويموت؛ ومع هذا عمّ الغلاء الدنيا جميعها، ولم يكن هذا الوباء كما عهد فى إقليم دون إقليم، بل عم أقاليم الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا جميع أجناس بنى آدم وغيرهم، حتى حيتان البحر وطير السماء ووحش البرّ.
وكان أوّل ابتدائه من بلاد القان «٢» الكبير حيث الإقليم الأوّل، وبعدها من تبريز «٣» إلى آخرها ستّة أشهر وهى بلاد الخطا «٤» والمغل وأهلها يعبدون النار والشمس