للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعجز أهل بلبيس وسائر الشرقية عن ضمّ الزرع لكثرة موت الفلّاحين. وكان ابتداء الوباء عندهم من أوّل فصل الصيف الموافق لأثناء شهر ربيع الآخر من سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ففاحت الطّرقات بالموتى، ومات سكان بيوت الشّعر ودوابّهم ومواشيهم، وامتلأت مساجد بلبيس وفنادقها وحوانيتها بالموتى، ولم يبق مؤذّن، وطرحت الموتى بجامعها، وصارت الكلاب فيه تأكل الموتى.

ثم قدم الخبر من دمشق أنّ الوباء كان بها آخر ما كان بطرابلس وحماة وحلب، فلمّا دخل شهر رجب والشمس فى برج الميزان أوائل فصل الخريف، هبّت فى نصف اللّيل ريح شديدة جدّا، واستمرّت حتّى مضى من النهار قدر ساعتين، فاشتدت الظّلمة حتى كان الرجل لا يرى من بجانبه. ثم انجلت وقد علت وجوه الناس صفرة ظاهرة فى وادى دمشق كلّه، وأخذ فيهم الموت مدّة شهر رجب فبلغ فى اليوم ألفا ومائتى إنسان، وبطل إطلاق الموتى من الديوان، وصارت الأموات مطروحة فى البساتين على الطّرقات، فقدم على قاضى القضاة تقىّ الدين السّبكىّ «١» قاضى دمشق رجل من جبال الرّوم، وأخبر أنّه لمّا وقع الوباء ببلاد الروم رأى فى نومه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشكا إليه ما نزل بالناس من الفناء فأمره صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لهم: «اقرءوا سورة نوح ثلاثة آلاف وثلثمائة وستين مرّة، واسألوا الله فى رفع ما أنتم فيه» فعرّفهم ذلك فاجتمع الناس فى المساجد، وفعلوا ما ذكر لهم، وتضرّعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه من ذنوبهم، وذبحوا أبقارا وأغناما كثيرة للفقراء مدّة سبعة أيام، والفناء يتناقص كلّ يوم حتى زال. فلمّا سمع القاضى والنائب ذلك نودى بدمشق باجتماع الناس بالجامع لأموىّ، فصاروا به جمعا كبيرا وقرءوا «صحيح البخارىّ» فى ثلاثة أيام وثلاث