لينظر السلطان والناس ذلك، فامتثلوا الأمراء المرسوم الشريف وأشحنوا المراكب بالعدد والسلاح والرجال الملبسة وضربوا الطّبلخاناه بها وصارت في أبهى زىّ ولعبوا بها في البحر قدّام السلطان والأتابك يلبغا وخرج الناس للتفرّج من كلّ فجّ، وكان يوم من الأيام المشهودة الذي لم ير مثله في سالف الأعصار.
ثم سار السلطان والأتابك ويلبغا بالعساكر من برّ الجيزة يريدون البحيرة «١» حتى نزلوا في ليلة الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وستين وسبعمائة بالطرّانة «٢» وباتوا بها وكانت مماليك يلبغا قد نفرت قلوبهم منه لكثرة ظلمه وعسفه وتنوعه في العذاب لهم على أدنى جرم، حتى إنه كان إذا غضب على مملوك ربما قطع لسانه فاتّفق جماعة من مماليك يلبغا تلك الليلة على قتله من غير أن يعلموا الملك الأشرف هذا بشىء من ذلك، وركبوا عليه نصف الليل، ورءوسهم من الأمراء: آقبغا الأحمدى الجلب وأسندمر الناصرى وقجماس الطازى وتغرى برمش العلائى وآقبغا جاركس أمير سلاح وقرابغا الصّرغتمشى في جماعة من أعيان اليلبغاويّة ولبسوا آلة الحرب وكبسوا في الليل على يلبغا بخيمته بغتة وأرادوا قتله، فأحسّ بهم قبل وصولهم إليه، فركب فرس النّوبة بخواصّه من مماليكه وهرب تحت الليل وعدّى النيل إلى القاهرة ومنع سائر المراكب أن يعدّوا بأحد واجتمع عنده من الأمراء طيبغا حاجب الحجاب وأينبك البدرى أمير آخور وجماعة الأمراء المقيمين بالقاهرة، وأمّا مماليك يلبغا فإنهم لمّا علموا بأن أستاذهم نجا بنفسه وهرب، اشتدّ تخوّفهم من أنه إذا ظفر بهم بعد ذلك لا يبقى منهم أحدا، فاجتمعوا الجميع بمن انضاف إليهم من الأمراء وغيرهم وجاءوا إلى الملك الأشرف