فى حضرته من سلطان ولا أمير ولا غنىّ ولا فقير، والناس كلّهم عنده سواء، وكان يقيم أوّلا بالقرافة عند ضريح «١» أبى العباس البصير، وبنى له هناك قبّة وجعل لها بابين:
بابا ظاهرا وبابا في الأرض نازلا، وكان إذا أحسّ بالناس هرب من ذلك الباب الذي في الأرض، فلمّا كثر ترداد الناس إليه للزيارة من كلّ فجّ، صار يرجمهم بالحجارة، فلم يردّهم ذلك عنه رغبة في التماس بركته، ففرّ منهم وساح في الجبال مدّة طويلة. ثم نزل صنافير «٢» بالقليوبية من قرى القاهرة، فكان كل يوم في أيام الشتاء يغطس في الماء البارد صبيحة نهاره وفي شدّة الحرّ يجلس عريانا مكشوف الرأس فى الشمس، وليس عليه سوى ما يستر عورته، فكان يقيم على سقيفة طابونة سوداء، أقام على ذلك ثلاث سنين، لا ينزل عنها وبنى له بعض الأمراء زاوية، فلم يسكنها ولا التفت اليها وكان الناس يتردّدون اليه فوجا فوجا ما بين قاض وعالم وأمير ورئيس وهو لا يلتفت إلى أحد منهم.
ومن كراماته- نفعنا الله به- أنه أتى مرة بمنسف «٣» خشب فيه طعام أرز، فقال لهم: سخّنوه، فلم يسعهم إلا موافقته، ووضعوا المنسف الخشب على النار، حتى اشتدّت سخونة الطعام ولم تؤثّر النار في الخشب، ثم عاد إلى القرافة فمات بها في يوم الأحد سابع عشرين شهر شعبان وصلّى عليه بمصلّاة «٤» خولان فحرز عدّة من صلّى عليه من الناس، فكانوا زيادة على خمسين ألفا. والله أعلم.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة أصابع.