يأتى الى الحائط المذكور ويسأله عن شىء يردّ عليه الجواب ويكلّمه بكلام فصيح، فجاءته الناس أفواجا وتردّدت الى الحائط المذكور أكابر الدولة وتكلّموا معه وافتتن الناس بذلك المكان وتركوا معايشهم وازدحموا على الدار المذكورة وأكثر أرباب العقول الفحص عن ذلك، فلم يقفوا له على خبر، وتحيّر الناس في هذا الأمر العجيب، إلى أن حضر الى البيت المذكور القاضى جمال الدين «١» محمود القيصرىّ العجمىّ محتسب القاهرة وفحص عن أمره بكلّ ما يمكن القدرة اليه، حتّى إنه أخرب بعض الحائط فلم يؤثّر ذلك شيئا واستمرّ الكلام في كلّ يوم الى ثالث شعبان، وقد كادت العامّة أن تتعبد بالمكان المذكور. وأكثروا من فولهم:«يا سلام سلّم، الحيطة بتتكلّم» وخاف أهل الدولة من إفساد الحال وقد أعياهم أمر ذلك، حتّى ظهر أنّ الذي كان يتكلّم هي زوجة صاحب المنزل، فأعلم بذلك الأتابك برقوق، فاستدعى بها مع زوجها فحضرا فأنكرت المرأة فضربها فأقرّت، فأمر بتسميرها وتسمير شخص آخر معها يسمى «عمر» وهو الذي كان يجمع الناس إليها، بعد أن ضرب برقوق الزوج وعمر المذكور بالمقارع وطيف بهما في مصر والقاهرة ثم أفرج عنهم، بعد أن حبسوا مدّة، وفي ذلك يقول الشيخ شهاب الدين بن العطار:
[البسيط]
يا ناطقا من جدار وهو ليس يرى ... اظهر وإلّا فهذا الفعل فتّان
فما سمعنا وللحيطان «٢» ألسنة ... وإنّما قيل للحيطان آذان