وكان قد هيّأ له ولده الأتابك برقوق الإقامات والخيم والأسمطة والتقى برقوق مع والده فحال وقع بصر آنص على ولده برقوق مدّ له يده فأخذها برقوق وقبلها ووضعها على رأسه ثم سلّم عليه أكابر أمراء مصر على مراتبهم وأقعد آنص والد برقوق في صدر المخيّم وقعد الأمير آقتمر عبد الغنىّ النائب من جانب والأمير أيدمر الشمسىّ من جانب آخر وجلس برقوق تحت أيدمر وهو يوم ذاك مرشّح للسلطنة، فانظر إلى تلك الآداب والقواعد السالفة. ولمّا استقرّ بهم الجلوس أخذ آنص يخاطب برقوقا ولده باسمه من غير تحشم، كما يخاطب الوالد ولده على قاعة الجراكسة، والقاعدة عندهم: أنّ الولد والخديم عندهم سواء، وكان الملتقى بالعكرشة والنزول بالمخيّم بالخانقاه، فإنهم لمّا تلاقوا ساروا على ظهر إلى خانقاه سرياقوس وحضر مع الأمير آنص جماعة كبيرة من أقاربه وأولاده إخوة الأتابك برقوق خوند الكبرى والصّغرى أمّ بيبرس الأتابك وغيرهما.
ثم مدّت الأسمطة من المآكل والمشارب والحلاوات وغيرها ودام برقوق والأمراء بخانقاة سرياقوس إلى ظهر اليوم المذكور ثم ركبوا الجميع وعادوا إلى جهة الديار المصريّة والموكب لآنص والد برقوق وأكابر الأمراء عن يمينه وشماله وتحته فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش بذهب هائل قد تناهوا في عملهما وسار الجميع حتّى دخلوا إلى القاهرة واجتازوا بها وقد أوقدت لهم الشموع والقناديل فتحيّر والد برقوق ممّا رأى وكان جركسيّا جنسه «كسا» لا يعرف باللغة التركيّة شيئا، لأن الكسا بالبعد عن بلاد التّتار وطلع والد برقوق مع ابنه إلى القلعة وصار هو المشار إليه على ما سنذكره.
وأمّا أمر بركة فإنه لمّا كان شهر رجب من هذه السنة ورد الخبر من لأمه صلاح الدين خليل بن عرّام نائب الإسكندرية بموت الأمير زين الدين بركه