على ما سنذكره في أوّل ترجمته الثانية- إن شاء الله تعالى- بعد أن نذكر حوادث سنين الملك الظاهر برقوق كما هي عادة كتابنا هذا من أوّله إلى آخره.
وأمّا الملك الظاهر برقوق فإنّه دام في اختفائه إلى أن قبض عليه بعد أيام على ما سنحكيه في سلطنة الملك الصالح مفصّلا إلى أن يسجن بالكرك ويعود إلى ملكه ثانيا.
قلت: وزالت دولة الملك الظّاهر برقوق كأن لم تكن- فسبحان من لا يزول ملكه- بعد أن حكم مصر أميرا كبيرا وسلطانا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوما، تفصيله مدّة تحكّمه أميرا منذ قبض على الأمير طشتمر العلائىّ الدوادار في تاسع ذى الحجّة سنة تسع وسبعين وسبعمائة إلى أن جلس على تخت الملك وتلقّب بالملك الظاهر في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيّام. وكان يقال له في هذه المدة:
الأمير الكبير أتابك العساكر ومن حين تسلطن في سنة أربع وثمانين المذكورة إلى يوم ترك الملك واختفى في ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ست سنين وثمانية أشهر وسبعة عشر يوما، فهذا تفصيل تحكّمه على مصر أميرا أو سلطانا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوما.
وذهب ملكه من الديار المصريّة على أسرع وجه مع عظمة في النفوس وكثرة مماليكه وحواشيه، فإنه خلع من السلطنة وله نحو الألفى مملوك مشترى، غير من أنشأه من أكابر الأمراء والخاصكيّة من خشداشيّته وغيرهم، هذا مع ما كان فيه من القوّة والشّجاعة والإقدام، فإنّه قام في هذا الأمر بالقوّة في ابتداء أمره وتوثّب على الرئاسة والإمرة بيده دفعة واحدة حسب ما تقدّم ذكره، ولم يكن له يوم ذاك عشرة مماليك مشتراة، وأعجب من هذا ما سيكون من أمره في سلطنته الثانية عند