القاهرة، وأسلمه إلى الأمير سيف الدين محمد بن عيسى العائدى؛ فتوجه به إلى الكرك من على عجرود «١» حتى وصل به إلى الكرك، وسلّمه إلى نائبها الأمير حسام الدين الكجكنى وعاد بالجواب، فأنزل الكجكنى الملك الظاهر بقاعة النحاس من قلعة الكرك، وكانت ابنة الأتابك يلبغا العمرى الخاصّكى أستاذ الملك الظاهر برقوق زوجة مأمور المعزول عن نيابة الكرك هناك، فقامت للملك الظاهر برقوق بكلّ ما يحتاج، كونه مملوك أبيها يلبغا، مع أن الناصرى أيضا مملوك أبيها، غير أنها حبّب إليها خدمة الملك الظاهر، ومدّت له سماطا يليق به، واستمرّت على ذلك أياما كثيرة، وفعلت معه أفعالا، كان اعتادها أيام سلطنته.
ثم إن الكجكنىّ أيضا اعتنى بخدمته لمّا كان أوصاه الناصرىّ به قبل خروجه من مصر، ومن جملة ما كان أوصاه الناصرىّ وقرّره معه أنّه متى حصل له أمر من منطاش أو غيره فليفرج عن الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك، فاعتمد الكجكنى على ذلك، وصار يدخل إليه في كل يوم ويتلطّف به ويعده أنه يتوجّه معه إلى التّركمان، فإنّه له فيهم معارف، وحصّن قلعة الكرك وصار لا يبرح من عنده نهاره كلّه، ويأكل معه طرفى النهار سماطه، ولا زال على ذلك حتى أنس به الملك الظاهر وركن له حسب ما يأتى ذكره.
وأما الناصرىّ فإنه بعد ذلك خلع على جماعة من الأمراء، فاستقرّ بالأمير قطلوبغا الصّفوىّ في نيابة صفد، وبالأمير بغاجق في نيابة ملطية، ثم رسم فنودى بالقاهرة بأن المماليك الظاهريّة يخدمون مع نوّاب البلاد الشامية، ولا يقيم أحد منهم بالقاهرة، ومن تأخّر بعد النداء حلّ ماله ودمه للسلطان، ثم نودى بذلك من الغد ثانيا.