وأما الملك المنصور حاجىّ فإنه عاد إلى ديار مصر صحبة الملك الظاهر برقوق محتفظا به وهو في غاية ما يكون من الإكرام وطلع إلى القلعة وسكن بها بالحوش «١» السلطانىّ على عادة أولاد الأسياد ودام عند أهله وعياله إلى أن مات بها في ليلة الأربعاء تاسع عشر شوّال سنة أربع عشرة وثمانمائة ودفن بتربة «٢» جدّته لأبيه خوند بركة بخطّ التّبانة بالقرب من باب الوزير خارج القاهرة، بعد أن تسلطن مرّتين وكان لقّب في أوّل سلطنته بالملك الصالح وفي الثانية بالملك المنصور، ولا نعلم سلطانا غيّر لقبه غيره ومات الملك المنصور هذا عن بضع وأربعين سنة وقد تعطّلت حركته وبطلت يداه ورجلاه مدّة سنين قبل موته وكان ما حصل له من الاسترخاء من جهة جواريه على ما قيل: إنّهم أطعموه شيئا بطلت حركته منه وذلك لسوء خلقه وظلمه.
حدّثنى غير واحد من حواشى الملك الظاهر برقوق ممّن كان يباشر أمر الملك المنصور المذكور قال: كان إذا ضرب أحدا من جواريه يتجاوز ضربه لهنّ الخمسمائة عصاة، فكان الملك الظاهر لمّا يسمع صياحهنّ يرسل يشفع فيهنّ فلا يمكنه المخالفة فيطلق المضروبة، وعنده في نفسه منها كمين، كونه ما اشتفى فيها وكان له جوقة مغان كاملة من الجوارى، كما كانت عادت الملوك والأمراء تلك الأيام نحو خمس عشرة واحدة، يعرفن من بعده بمغانى المنصور، وكنّ خدمن عند الوالد بعد موته، فلمّا صار الملك الظاهر برقوق يشفع في الجوارى لمّا يسمع صياحهنّ، بقى المنصور إذا ضرب واحدة من جواريه يأمر مغانيه أن يزفّوا بالدّفوف وتزعق