الكبير نظام الملك، ومنذ تسلطن سلطنته الأولى فى يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة إلى أن خلع واختفى فى واقعة الناصرى ومنطاش فى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ست سنين وثمانية أشهر وسبعة عشر يوما، وتسلطن عوضه الملك المنصور حاجّىّ ابن الملك الأشرف شعبان بن حسين، ودام مخلوعا محبوسا، ثم خارجا بالبلاد الشامية ثمانية أشهر وستة عشر يوما، وأعيد إلى السلطنة ثانيا، فمن يوم أعيد إلى سلطنته ثانية إلى أن مات فى ليلة الجمعة المذكورة تسع سنين وثمانية أشهر، وتسلطن من بعده ابنه الملك الناصر فرج وجلس على تخت الملك حسبما يأتى ذكره فى سلطنته.
ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السلطان الظاهر برقوق- رحمه الله- وغسّل وكفّن، وصلّى عليه بالقلعة قاضى القضاة صدر الدين المناوى، وحمل نعشه سائر الأمراء على أعناقهم إلى تربته، فدفن بها- حيث أوصى- على قارعة الطريق، ولم يكن بذلك المكان يوم ذاك حائط، ودفن قبل صلاة الجمعة، ونزل أمام نعشه سائر الأمراء وأرباب الدولة مشاة يصيحون ويصرخون بالبكاء والعويل، وقد امتلأت طرق الصحراء بالجوارىّ والنساء السّبيات «١» الحاسرات منشّرات الشعور من حرم مماليكه وحواشيه، فكان يوما فيه عبرة لمن اعتبر، ولم يعهد قبله أحد من ملوك مصر دفن نهارا غيره، وضربت الخيام على قبره، وقرئ القرآن أياما، ومدّت لهم الأسمطة العامة الهائلة، وتردّدت أكابر الدول فى كل ليلة إلى قبره عدّة أيام وكثر أسف الناس عليه.