أحاط بكم هذا النيل. وإنما أنتم أسارى في أيدينا، فابعثوا إلينا رجالاً منكم نسمع من كلامهم فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب وينقطع عنا وعنكم القتال قبل أن يغشاكم جموع الروم، فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه.
ولعلكم أن تندموا إن كان الأمر مخالفا لمطلبكم ورجائكم، فابعثوا إلينا رجالاً من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به من شيء» .
فلما أتت عمراً رسل المقوقس حبسهم عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم المقوقس فقال لأصحابه: أترون أنهم يقتلون الرسل [ويحبسونهم «١» ] ويستحلون ذلك في دينهم! وإنما أراد عمرو بذلك أنهم يرون حال المسلمين.
فرد عليهم عمرو مع رسلهم: إنه ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال:
إما أن دخلتم فى الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا. وإن أبيتم فأعطيتم «٢» الجزية عن يد وأنتم صاغرون. وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وبينكم وهو خير الحاكمين. فلما جاءت رسل المقوقس إليه قال: كيف رأيتموهم؟ قالوا:
رأينا قوما الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم فى الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ولا السيد من العبد، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد؛ يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم.