ثم وصلت بعد قليل رسل ابن عثمان إلى الديار المصرية وكتابه يتضمّن اجتماع الكلمة وأن يكون مع السلطان عونا على قتال هذه الطاغية تيمورلنك، ليستريح الإسلام والمسلمون منه، وأخذ يتخضّع ويلحّ فى كتابه على اجتماع الكلمة، فلم يلتفت أحد إلى كلامه، وقالت أمراء مصر يوم ذاك الآن صار صاحبنا، وعندما مات أستاذنا الملك الظاهر برقوق مشى على بلادنا، وأخذ ملطية من عملنا، فليس هو لنا بصاحب، يقاتل هو عن بلاده، ونحن نقاتل عن بلادنا ورعيتنا، وكتب له عن السلطان بمعنى هذا اللفظ، وكان ما قاله أبو يزيد بن عثمان من أكبر المصالح، فانه حدّثنى فيما بعد الأمير أسنباى الظاهرى الزردكاش «١» ، وكان أسره تيمور وحظى عنده وجعله زردكاشه، قال: قال لى تيمورلنك ما معناه: إنه لقى فى عمره عساكر كثيرة وحاربها، لم ينظر فيها مثل عسكرين: عسكر مصر وعسكر ابن عثمان المذكور، غير أن عسكر مصر كان عسكرا عظيما ليس له من يقوم بتدبيره لصغر سن الملك الناصر فرج، وعدم معرفة من كان حوله من الأمراء بالحروب، وعسكر ابن عثمان المذكور، غير أنه كان أبو يزيد صاحب رأى وتدبير وإقدام، لكنه لم يكن له من العساكر من يقوم بنصرته.
قلت: ولهذا قلت إن المصلحة كانت تقتضى الصلح مع أبى يزيد بن عثمان المذكور، فإنه كان يصيّر للعساكر المصرية من يدبّرها، ويصيّر لابن عثمان المذكور عساكر مصر مع عساكره عونا، فكان تيمور لا يقوى [على] مدافعتهم، فإن كلا من العسكرين كان يقوى دفعه لولا ما ذكرناه، فما شاء الله كان.
وبعد أن كتب لابن عثمان بذلك لم يتأهب أحد من المصريين لقتال تيمور، ولا التفت إلى ذلك، بل كان جل قصد كل أحد منهم ما يوصله إلى سلطنة مصر