واستفحل أمرهم، وقدموا إلى دمشق وحصروا الناصر بها، بعد أمور ذكرناها مفصّلة فى أواخر ترجمة الملك النّاصر المذكور.
ثمّ اتفق الأمراء على إقامة الخليفة هذا فى السلطنة، عوضا عن الملك الناصر فرج المذكور؛ لتجتمع الكلمة فى رجل واحد، ويجدوا بذلك سبيلا لقتال الملك الناصر وانفلال الناس عنه، وأرسلوا إليه فتح الله كاتب السرّ فكلّمه فى ذلك وهو على ظاهر دمشق، والملك الناصر داخلها، فأبى الخليفة المذكور أن يقبل ذلك، وصمّم على عدم القبول، فألحّ عليه فتح الله فى ذلك وتلطّف به، فلم يزدد إلا تمنّعا، كل ذلك خوفا من الملك الناصر، فلما رأى فتح الله شدّة تمنّعه، وعدم موافقته، رجع إلى الأمراء وأعلمهم بذلك وقال لهم: لا يمكن قبوله أبدا ممّا رأيت من تمنّعه، فاعملوا عليه حيلة حتى يقبل، فدبّروا عليه حيلة من أنهم أرسلوا خلف أخيه لأمه الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاء الطازىّ، وأعطوه ورقة تتضمن القدح فى الملك الناصر وفى تعداد أفعاله وماوئه، وندبوا ناصر الدين المذكور بعد أن أوعدوه بإمرة طبلخاناة، ودوادارية السّلطان حتى ركب فرسا من غير علم الخليفة، ونودى أمامه:
إن الخليفة قد خلع السلطان الملك الناصر من السلطنة، ولا يحلّ لأحد متابعته ولا القيام بنصرته، وقرئت الورقة على الناس.
وبلغ الخليفة المستعين بالله ذلك، فقامت قيامته، وعظم عليه ذلك إلى الغاية، وتحقّق عند ذلك أنّ الملك الناصر إذا ظفر به لا يبقيه، ودخل عليه فتح الله بعد ذلك ثانيا وكلّمه فى السّلطنة، فقبل على شروط عديدة شرطها على الأمراء، فقبلوا جميع الشروط، وفرح الأمراء بذلك وبايعوه بأجمعهم، وقبّلوا يده، وحلفوا له- على الطّاعة والوفاء- بالأيمان المغلّظة التى لا يمكن التّورية فيها.