وخشونة ألفاظ، معناه أنّهم ملّوا من طول القتال، وضجروا من شدّة الحصار.
وبينما هم فى ذلك، إذ اختبط العسكر السّلطانىّ وكثر الصّراخ فيهم بأنّ الأمير نوروزا قد كبسهم، فسارعوا بأجمعهم وعبروا من باب النّصر إلى داخل مدينة دمشق، وتفرّقوا فى خرائبها بحيث إنّه لم يبق بين يدى السّلطان أحد، فولّى دمرداش عائدا إلى موضعه، وقد ملك شيخ وأصحابه الميدان والإسطبل.
فبعث دمرداش إلى السّلطان مع بعض ثقاته بأنّ الأمر قد فات، وأنّ أمر العدوّ قوىّ، وأمر السّلطان أخذ فى إدبار، والرأى أن يلحق السّلطان بحلب ما دام فى الأمر نفس.
فلمّا سمع الملك الناصر ذلك قام من مجلسه وترك الشّمعة تقد حتى لا يقع الطّمع فيه بأنّه ولّى، ويوهم الناس أنّه ثابت مقيم على القتال.
ثمّ دخل إلى حرمه وجهّز ماله، وأطال فى تعبئة ماله وقماشه، فلم يخرج حتى مضى أكثر الليل، والأتابك دمرداش واقف ينتظره، فلمّا رأى دمرداش أنّ الملك الناصر لا يوافقه على الخروج إلى حلب، خرج هو بخواصّه ونجا بنفسه، وسار إلى حلب وترك السّلطان.
ثمّ خامر الأمير سنقر الرّومىّ على الملك الناصر، وأتى أمير المؤمنين وبطّل طبول السّلطان والرّماة.
ثمّ خرج الملك الناصر من حرمه بماله، وأمر غلمانه فحملت الأموال على البغال ليسير بهم إلى حلب، فعارضه الأمير أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير وغيره، ورغّبوه فى الإقامة بدمشق، وقالوا له: الجماعة مماليك أبيك لا يوصّلون إليك سوءا أبدا، ولا زالوا به حتى طلع الفجر، فعند ذلك ركب الملك الناصر بهم، ودار على سور المدينة فلم يجد أحدا ممّن كان أعدّه للرّمى، فعاد ووقف على فرسه