للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة الثانية من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة ٨٠٩ هـ ١٦٤

السنة الثالثة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة ٨١٠ هـ ١٦٧

السنة الرابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة ٨١١ هـ ١٧١

السنة الخامسة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة ٨١٢ هـ ١٧٥

السنة السادسة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة ٨١٣ هـ ١٧٨

السنة السابعة من ولاية الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية على مصر، وهى سنة ٨١٤ هـ ١٨٣

ذكر سلطنة الخليفة المستعين بالله العباس على مصر- نسب الخليفة- كيف تمت سلطنته- تولية الأمير نوروز نيابة الشام- تولية الأمير شيخ أتابكية العساكر بالديار المصرية ١٨٩

الأمير شيخ المحمودى يعمل للاستقلال بالسلطة- السلطان يفوض إليه ما وراء سرير الخلافة ٢٠٣

خلع الخليفة المستعين بالله العباس من السلطنة وتولية الأمير شيخ المحمودى السلطنة مكانه وتلقبه بالملك المؤيد ٢٠٦

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج ١٤، ص: ١

[الجزء الرابع عشر]

تراثنا النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة تأليف جمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكى الجزء الرابع عشر تحقيق الدكتور جمال محمد محرز الأستاذ فهيم محمد شلتوت الناشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ١٣٩١ هـ- ١٩٧١ م

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج ١٤، ص: ٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم

هذا هو الجزء الرابع عشر من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة لجمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى.

وهذا الجزء يؤرخ للحقبة التى حكم فيها السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودى وابنه السلطان الملك المظفر أحمد، ثم السلطان الملك الظاهر ططر وابنه السلطان الملك الصالح محمد بن ططر، ثم السلطان الملك الأشرف برسباى.

وإذا كان الجزء الثالث عشر قد أرخ للعالم العربى والأطراف الدائرة فى فلكه فى فترة غمرتها أحداث لم تشهد مصر وما والاها مثلها من قبل، كغزو تيمور لنك لسوريا سنة (٨٠٢- ٨٠٣ هـ) ، والصراع المحتدم بين السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق وكبار أمراء دولته، ذلك الصراع الذي انتهى بمقتل كثير من أمراء الدولة ثم مقتل السلطان نفسه، إلى الجدب العظيم الذي أصيبت به البلاد نتيجة لقصور فيضان النيل، إلى انتشار الطاعون فى البلاد، وانعكاس أثر ذلك كله على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية.

إذا كان هذا هو موضوع الجزء الثالث عشر فإن الجزء الرابع عشر يؤرخ لفترة من الاستقرار النسبى سادت البلاد العربية فانتعشت أحوالها وتفرغ بعض السلاطين إلى إقرار الأمور فى الأطراف، فجال المؤيد شيخ المحمودى فى بلاد الشام وما جاورها من بلاد الروم، وأدب عصاة التركمان، ومهد قلاع الثغور الإسلامية، وأكد ولاءها للدولة.

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج ١٤، ص: ٣

كذلك أرسل ابنه المقام الصارمى إبراهيم على رأس حملة مهدت الأمور فى القلاع الرومية، وقضى على العصاة من التركمان، ونشر هيبة الدولة فى الأقطار المجاورة.

كذلك فعل السلطان ططر- على قصر فترة حكمه- وأيضا فعل السلطان برسباى.

وخلفت هذه الفترة كثيرا من الآثار الشامخة التى تدل على استتباب أمور الدولة وتفرغ السلطان وكبار رجاله إلى التعمير والتشييد؛ من ذلك مسجد ومدرسة السلطان الملك المؤيد داخل باب زويلة الذي يقول المؤلف عنه: لم يبن فى الإسلام أكثر زخرفة منه بعد الجامع الأموى بدمشق، وكذلك مدرسة ومسجد الأشرف برسباى، وغيرهما من الآثار الشامخة التى أخنى عليها الدهر. مثل قبة البحرة بقلعة الجبل، وبيمارستان المؤيد شيخ، ومنظرة «الخمس وجوه» ومسجد جزيرة الروضة.

ولولا خروج بعض الأمراء من حكام البلاد الشامية والحلبية عن الطاعة، واضطرار السلطان لقتالهم، ولولا الطاعون العظيم الذي انتشر فى البلاد العربية وغيرها من الأقطار الإفريقية والأقطار الأوربية (سنة ٨٣٣ هـ) والذي لم يشهد العالم مثله فى تلك الحقب، ولولا ما اتسم به عهد برسباى من تذمر المماليك السلطانية أو المماليك الأجلاب كما يطلق عليهم، وخروجهم عن الطاعة فى كل قليل وكثير، واعتدائهم على كبار رجال الدولة لكانت الفترة التى يؤرخ لها هذا الجزء من كتاب النجوم الزاهرة من أحسن الفترات التى مرت بالدولة الإسلامية.

وتتميز هذه الفترة بالانتصارات المتتابعة للدولة على الفرنج الذين دأبوا على مهاجمة الثغور الإسلامية، والاستيلاء على مراكب المسلمين وقوافل تجارتهم البحرية مما اضطر الملك الأشرف برسباى أن يعد الحملة تلو الحملة لتأديب قراصنة الفرنج، ثم يعد حملة كبيرة تشترك فيها الجيوش النظامية والمطوعة من المجاهدين إلى قبرس سنة ٨٢٩ هـ فتنتصر انتصارا ساحقا على جيوش قبرس وجيوش الفرنج المساندة لها، وتعود بالغنائم والأسرى ومن بينهم ملك قبرس نفسه.

وقد أفرد المؤلف فصلا لغزوة قبرس حكى فيه أخبارها، وكيف تم انتصار الجيوش

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج ١٤، ص: ٤

الإسلامية فيها وكيف أسر الملك، ثم عودة الجيوش واستقبال الشعب العربى فى القاهرة لها، ومراسيم الدولة فى هذا الاستقبال، وحال ملك قبرس فى حضرة السلطان، وما انتهى إليه أمر الملك من الإفراج عنه ودخوله فى طاعة الدولة وتقرير خراج سنوى يدفع للسلطان.

ولقد كانت هذه الغزوة بمثابة فرض سلطة الدولة الإسلامية على جزر البحر المتوسط، ولذلك نرى ملك رودس يسارع فيطلب الأمان من السلطان ويطلب إعفاء بلاده من الغزو، ويتعهد بالقيام بكل ما يطلب منه.

وتترك هذه الانتصارات أثرها المرير بين أعداء الدولة الإسلامية، ليس لدى الفرنج وحدهم كما تعودنا ولكن لدى الحطى ملك الحبشة أيضا، مما يجعله يمهد لمؤامرة على الدولة الإسلامية فيرسل رسوله إلى ملوك الفرنج يستشيرهم ويؤلبهم على الدولة، ويرسم معهم خطة مهاجمتها من الشمال ومن الجنوب برا وبحرا، ولكن يقظة الدولة توقع برأس العمالة الذي يتمتع بنسبته للدولة الإسلامية، وتقدمه للمحاكمة ثم تعدمه جزاء غدره وخيانته «١» .

ويؤرخ هذا الجزء أيضا للأحداث التى وقعت فى اليمن سنة ٨٣٢ هـ، وكذلك للأحداث التى وقعت فى المشرق (شمالى العراقين) والتى انتصرت فيها الحملة المصرية الشامية واستولت على الرها وغيرها من البلاد.

كذلك يؤرخ للحروب التى وقعت بين شاه رخ بن تيمور لنك، وبين إسكندر ابن قرايلك والتى انتهت بهزيمة إسكندر وفناء جيوشه وتشتته فى البلاد.

ومؤرخنا فى هذا الجزء يصف عن مشاهدة ويتحدث عن خبرة حديث القريب من الأحداث اللصيق بها؛ فهو مثلا يتحدث عن موقف طريف له فى طفولته مع السلطان الملك المؤيد شيخ فيقول «٢» :

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج ١٤، ص: ٥

دخلت إليه مرة- وأنا فى الخامسة- فعلمنى- قبل دخولى إليه- بعض من كان معى أن أطلب منه خبزا، فلما جلست عنده وكلمنى سألته فى ذلك، فغمز من كان واقفا بين يديه- وأنا لا أدرى- فأتاه برغيف كبير من الخبز السلطانى، فأخذه بيده وناولنيه وقال: خذ هذا خبز كبير مليح، فأخذته من يده وألقيته إلى الأرض، وقلت:

أعط هذا للفقراء، أنا ما أريد إلا خبزا بفلاحين يأتوننى بالغنم والأوز والدجاج. فضحك حتى كاد أن يغشى عليه، وأعجبه منى ذلك إلى الغاية، وأمر لى بثلاثمائة دينار ووعدنى بما طلبته وزيادة.

وعلاقة مؤرخنا بسلاطين الدولة فى هذه الحقبة واتصاله بهم ومعيشته فى بلاطهم- حتى عد فى بعض الأوقات من ندمائهم- أتاحت له أن يطلع على كثير من الأمور وأن يعيش بعضهما وأن يسجلها فى تاريخه هذا وفى غيره، وأن يكون حديثه عنها وثيقة تاريخية لها قيمتها فى تحليل أحداث هذه الحقبة وتقويمها.

وتناوله لبعض آراء مؤرخى عصره، ومناقشته لهم، تبين إلى أى مدى كانت أحكامه صادقة وآراؤه سليمة.

فهو حين يناقش مؤرخ العصر الشيخ تقي الدين المقريزى حول رأيه فى الملك المؤيد شيخ وتقويمه له، يقول «١» : وكان يمكننى الرد على جميع ما قاله بحق غير أننى لست مندوبا إلى ذلك، فلهذا أضربت عن تسويد الورق وتضييع الزمان، والذي أعرفه أنا من حاله أنه كان سلطانا جليلا مهابا شجاعا عاقلا نقادا ... الخ.

وحين يناقشه أيضا فى ترجمته للسلطان الملك الظاهر ططر يقول «٢» : هذا القول لا يقوله إلا من ليس له خبرة بقواعد السلاطين، ولا يعرف ما الملوك عليه بالكلية، ولولا أن المقريزى ذكر هذه المقالة فى عدة كتب من مصنفاته ما كنت أتعرض إلى جواب ذلك؛ فإن هذا شىء لا يشك فيه أحد، ولم يختلف فيه اثنان غير أنى أعذره

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج ١٤، ص: ٦

فيما نقل، فإنه كان بمعزل عن الدّولة، وينقل أخبار الأتراك عن الآحاد، فكان يقع له من هذا وأشباهه أوهام كثيرة نبّهته على كثير منها فأصلحها معتمدا على قولى، وها هى مصلوحة بخطه فى مظنات الأتراك وأسمائهم ووقائعهم.

وهو يناقش حافظ العصر شهاب الدين بن حجر فى نسبة السلطان الملك الأشرف برسباى بالدقماقى فيقول «١» : وسبب سياقنا لهذه الحكاية أن قاضى القضاة شهاب الدين ابن حجر- رحمه الله- نسبه أنه عتيق دقماق، وليس الأمر على ما نقله، وهو معذور فيما نقله لبعده عن معرفة اللغة التركية ومداخلة الأتراك، وقد اشتهر أيضا بالدقماقى فطن أنه عتيق دقماق، ولم يعلم نسبته بالدقماقى كما أن نسبة الوالد- رحمه الله بالبشبغاوى والمؤيد بالمحمودى ونوروز بالحافظى..... وقد وقفت على هذه المقالة فى حياته على خطه ولم أعلم أن الخط خطه فإنه كان (أى ابن حجر) رحمه الله يكتب ألوانا، وكتبت على حاشية الكتاب وبيّنت خطأه، وأنا أظن أن الخط خط ابن قاضى شهبة، وعاد الكتاب إلى أن وقع فى يد قاضى القضاة المذكور، فنظر إلى خطّى وعرفه واعترف بأنه وهم فى ذلك ... قلت: وعلى كل حال إن هذا الوهم هو أقرب للعقل من مقالة المقريزى فى الملك الظاهر ططر «إن الملك الناصر فرجا أعتقه بعد سنة ثمان فى سلطنته الثانية» . وأيضا أحسن مما قاله المقريزى فى حق الملك الأشرف برسباى هذا بعد وفاته فى تاريخه «السلوك» فى وفيات سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ... الخ..

ومن هنا تجىء أهمية هذا الجزء وما يليه، ويأخذ مكانه الصحيح بين الكتب التى أرخت لهذه الحقبة.

هذا وقد تم تحقيق هذا الجزء على نسق الأجزاء السابقة منه والتى اضطلع بتحقيقها القسم الأدبى بدار الكتب، ورجع فى تحقيق الأحداث وتراجم الأعلام إلى المصادر

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، المقدمةج ١٤، ص: ٧

المعتمدة والمطروقة فى هذا الميدان، وقوبل الجزء على مصورة مخطوطة «أيا صوفيا» المحفوظة بدار الكتب المصرية برقم ١٣٤٣ تاريخ، وكذلك على طبعة كاليفورنيا التى حققها المستشرق وليم پوپر، وتركت لغة المؤلف وما فيها من تعبيرات عامية على حالها لتعطى صورة عن لغة العصر.

وإنا لنرجو أن نكون قد وفقنا، وأن يكون الجهد الذي بذلناه موضع القبول.

والله ولى التوفيق.

٢٠ من شوال سنة ١٣٩١ ٧ من ديسمبر سنة ١٩٧١ المحققان

د جمال محمد محرز. فهيم محمد شلتوت