ثم يضع من نفسه ويرفع أمر نوروز ويعد محاسنه ويذكر مساوئ نفسه، فمشى ذلك على نوروز وانخدع له، مع ما كان حسّن له أيضا بعض أصحابه فى عدم الخروج والقتال، أرادوا بذلك ضجر الملك المؤيد وعوده إلى الديار المصرية بغير طائل حتى يستفحل أمرهم بعوده، فكان مراد الله غير ما أرادوا.
ثم أرسل السلطان الملك المؤيد قاضى القضاة مجد الدين سالم الحنبلى إلى الأمير نوروز فى طلب الصّلح فامتنع نوروز من ذلك وأبى إلّا الحرب والقتال، وكان ذلك أيضا خديعة من الملك المؤيد، وعندما نزل الملك المؤيّد بطرف القبيبات خرج إليه عساكر نوروز فندب إليهم السلطان جماعة كبيرة من عسكره فخرجوا إليهم وقاتلوهم قتالا شديدا، فانكسر عسكر نوروز وعاد إلى دمشق، فركب نوروز فى الحال وطلع «١» إلى قلعة دمشق وامتنع بها، فركب الملك المؤيد فى سادس عشرينه ونزّل بالميدان يحاصر قلعة دمشق.
ولما قيل للمؤيد إن نوروز طلع إلى قلعة دمشق لم يحمل الناقل له على الصّدق، وأرسل من يثق به فعاد عليه الخبر بطلوعه إليها، فعند ذلك تعجّب غاية العجب، فسأله بعض خواصّه عن ذلك فقال: ما كنت أظن أن نوروز يطلع القلعة وينحصر فيها أبدا؛ لما سمعته منه لمّا دخل الملك الناصر إلى قلعة دمشق، وهو أنه لمّا بلغنا أن الناصر دخل إلى قلعة دمشق قال نوروز: ظفرنا به وعزّة الله، فقلت: وكيف ذلك؟
فقال: الشخص لا يدخل القلعة ويمتنع بها إلا إذا كان خلفه نجدة، أو أخصامه لا يمكنهم محاصرته إلا مدّة يسيرة ثم يرحلون عنه، وهذا ليس له نجدة، ونحن لو أقمنا على حصاره سنين لا نذهب إلا به فهو مأخوذ لا محالة، فبقى هذا الكلام فى ذهنى، وتحققت أنه متى حصل له خلل توجّه إلى بلاد التّركمان ويتعبنى أمره لعلمى به أنه لا يدخل إلى القلعة- بعد ما سمعت منه ذلك- أبدا، فأتاه ما قاله فى حقّ الناصر، وحسن بباله الامتناع بالقلعة حتى طلعها، فلهذا تعجّبت.