وتواضع؛ قيل: إنه دخل اليه ابن السمّاك الواعظ وذكره ثم وعظه حتى بكى بكاء شديداً، فقال ابن السماك: لتواضعك في شرفك أحب إلينا من شرفك؛ وقيل: إنه جلس يوماً بميدان مصر فأطال النظر في النيل ونواحيه، فقيل له: ما يرى الأمير؟
فقال «١» : أرى ميدان رهان، وجنان نخل، وبستان شجر، ومنازل سكنى، ودور خيل «٢» وجبان أموات، ونهراً عجاجاً، وأرض زرع، ومرعى ماشية، ومرتع خيل، ومصايد بحر، وقانص «٣» وحش، وملاح سفينة، وحادي إبل، ومفازة رمل، وسهلاً وجبلاً في أقل من ميل في ميل.
قلت: لله دره فيما وصف من كلام كثرت معانيه وقل لفظه. واستمر موسى بعد ذلك على إمرة مصر إلى أن عزله الرشيد عنها بمسلمة بن يحيى لأربع عشرة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائة. فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وخمسة أشهر وخمسة عشر يوماً. وتوجه إلى الرشيد فلما قدم عليه ولاه الكوفة مدة ثم صرفه عن الكوفة وولاه دمشق، فأقام بها مدة أيضاً وصرف عنها وأعيد إلى إمرة مصر ثانياً كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى- لما «٤» كانت الفتنة بدمشق بين المضرية «٥» واليمانية، وهذه الفتنة هي سبب العداوة بين قيس وبين اليمن إلى يومنا هذا. وكان أول الفتنة بين المضرية واليمانية. وكان رأس المضرية أبا الهيذام «٦»