بعد شىء بكثرة، والسّقاة تطوف على الحاضرين بالمشروب من السّكّر المذاب، فكانت ليلة تعدّ من الليالى الملوكية لم يعمل بعدها مثلها.
ثم أنعم على القرّاء والمنشدين بمائة ألف درهم، وركب بكرة يوم السبت سادس عشر ذى الحجة المذكورة من الخانقاه حتى نزل بطرف الرّيدانيّة، فأقام بها ساعة ثم ركب وشقّ القاهرة حتى طلع إلى القلعة من يومه، وقد زيّنت له القاهرة أحسن زينة، فكان لقدومه إلى الديار المصرية يوما من الأيّام المشهودة.
وبعد طلوعه إلى القلعة أصبح من الغد نادى بالقاهرة بالأمان، وأن الأسعار بيد الله تعالى، فلا يتزاحم أحد على الأفران، ثم تصدّى السلطان بنفسه للنظر فى الأسعار. وعمل معدّل القمح، وقد بلغ سعر الإردب منه أزيد من ستمائة درهم إن وجد، والإردب الشعير إلى أربعمائة درهم، فانحطّ السّعر لذلك قليلا، وسكن روع الناس؛ لكون السلطان ينظر فى مصالحهم، فلهذا وأبيك العمل «١» ، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يغفر للمؤيّد ذنوبه بهذه الفعلة؛ فإن ذلك هو المطلوب من الملوك، وهو حسن النظر فى أحوال رعيتهم- انتهى.
ثم فى يوم الاثنين خامس عشرينه خلع السلطان على الأمير جقمق الأرغون شاوىّ الدّوادار الثانى باستقراره دوادارا كبيرا «٢» عوضا عن الأمير آقباى المؤيّدى المنقول إلى نيابة حلب، وخلع على الأمير يشبك الجكمىّ باستقرارة دوادارا ثانيا عوضا عن جقمق.
قلت: وكان الدّوادار الثانى يوم ذاك لا يحكم بين الناس «٣» ، وليس على بابه نقباء، وكذلك الرّأس نوبة الثانى، وأوّل من حكم ممن ولى هذه الوظيفة قرقماس الشّعبانى، وممن ولى رأس نوبة ثانى آقبردى المنقار- انتهى.