والقضاة والعسكر، وملئت الفسقيّة التى بصحن الجامع سكّرا مذابا، فشرب الناس منه، ثم أحضرت الحلاوات؛ كل ذلك لفراغ الجامع المذكور ولإجلاس قاضى القضاة شمس الدين محمد بن الدّيرى الحنفى فى مشيخة الصّوفيّة وتدريس الحنفية، وفرشت السّجادة لابن الدّيرى فى المحراب، وقرّر خطابة الجامع المذكور للقاضى ناصر الدين محمد بن البارزىّ كاتب السرّ، ثم عرض السلطان الفقهاء وقرّر منهم من اختاره فى الوظائف والتصوّف، ثم استدعى قاضى القضاة شمس الدين بن الديرى وألبسه خلعة باستقراره فى المشيخة، وجلس بالمحراب والسّلطان وولده الصّارمى إبراهيم عن يساره، والقضاة عن يمينه، ويليهم مشايخ العلم وأمراء الدولة، فألقى ابن الديرى درسا عظيما وقع فيه أبحاث ومناظرات [بين الفقهاء]«١» والملك المؤيد يصغى لهم ويعجبه الصواب من قولهم، ويسأل عما لا يفهمه حتى يفهمه.
قلت: هذا هو المطلوب من الملوك، الفهم والذّوق لينال كلّ ذى رتبة رتبته، وينصف أرباب الكمالات- بين يديه- من كلّ فن، فوا أسفاه على ذلك الزمان وأهله.
واستمرّ البحث بين الفقهاء إلى أن قرب وقت الصلاة ثم انفضّوا، واستمر السلطان جالسا بمكانه إلى أن حان وقت الصلاة، وتهيأ السلطان وكلّ أحد للصلاة، فخرج القاضى ناصر الدين بن البارزىّ من بيت الخطابة وصعد المنبر وخطب خطبة بليغة فصيحة من إنشائه، ثم نزل وصلّى بالناس صلاة الجمعة، فلما انقضت الصلاة خلع السلطان عليه باستقراره فى خطابة الجامع المذكور ووظيفة خازن الكتب.
ثم ركب السلطان من الجامع المذكور وعدّى النيل إلى برّ الجيزة فأقام به إلى يوم الأحد ثالث عشرينه، وعاد إلى القلعة، ثم ركب من القلعة فى يوم الأحد أول ذى القعدة للصيد وعاد من يومه.
وفى يوم ثالثه سار الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى والأمير طوغان الأمير آخور الكبير للحج على الرّواحل من غير ثقل.