ركاب السلطان، فشرع بعضهم فى رمى الأساس، واختط بعضهم أرضا، ثم ركب السلطان من القلعة بثياب جلوسه وشقّ القاهرة، وعبر من باب زويلة، وخرج من باب القنطرة، وتوجّه إلى منظرة «الخمس وجوه» وأقام بها بخواصّه إلى يوم الجمعة ثانى عشرين ذى القعدة فركب منها وعدى النيل إلى الجيزة، يريد سرحة البحيرة على العادة فى كل سنة، وقد تهيأ الناس لذلك وخرجوا على عادتهم.
وقبل أن يعدّى السلطان النيل نزل بدار على شاطىء نيل مصر، ودخل الحمام التى بجوار الجامع الجديد، واغتسل طهر الجمعة، ثم خرج إلى الجامع الجديد وصلى به الجمعة، ثم عدّى النيل وهو فى كل ذلك يحمل على الأكتاف، والذي يتولى حمله من خاصّكيته جماعه منهم: خجا سودون «١» السّيفى بلاط الأعرج، وتنبك من سيدى بك الناصرى البجمقدار المصارع، ثم جانى بك من سيدى بك المؤيّدى.
وأقام السلطان يومه بالجيزة ثم ركب المحفة وسار بأمرائه وعساكره إلى أن وصل إلى الطّرّانة اشتدّ به المرض فتجلّد اليوم الأوّل والثانى، فأفرط به الإسهال حتى أرجف بموته، وكادت تكون فتنة من كثرة كلام الناس واختلاف أقوالهم، إلى أن ركب السلطان من الطّرّانة فى النيل عجزا عن ركوب المحفّة، وعاد إلى جهة القاهرة حتى نزل برّ منبابة، فأقام بها حتى نحر قليلا من ضحاياه، ثم ركب النيل فى الحرّاقة وعدّى إلى بولاق فى آخر نهار العيد، ونزل فى بيت كاتب السرّ ابن البارزىّ على عادته، وبات فى تلك الليلة، وأصبح من الغد ركب فى المحفة وطلع إلى قلعة الجبل فى يوم الثلاثاء حادى عشر ذى الحجة، وهو شديد المرض من الإسهال والزحير «٢» والحصاة والحمّى والصداع والمفاصل، وهذه آخر ركبة ركبها الملك المؤيد، ثم لزم الفراش إلى أن مات حسبما نذكره.