وقبل أن يدفن الملك المؤيد أبرم الأمير ططر أمير مجلس أمره مع الأمراء، وقبض على الأمير قجقار «١» القردمىّ أمير سلاح، وأمسكه بمعاونة أكابر المماليك المؤيدية، وأيضا بمعاونة خشداشيته من المماليك الظاهريّة برقوق، فارتجّت القاهرة وماجت الناس ساعة وتخوّفوا من وقوع فتنة، فلم يقع شىء؛ وذلك لعدم حاشية قجقار القردمى، فإنه أحد مماليك الأمراء ليس له شوكة ولاخشداشين، وسكن الأمر، ونبل ططر فى أعين الناس من يومئذ، وتفتّحت العيون إليه.
ثم لما كان يوم الثلاثاء عاشر المحرّم- وهو صبيحة يوم وفاة [الملك]«٢» المؤيّد- عملت الخدمة بالقصر السّلطانى من القلعة، وأجلس الملك المظفر [أحمد]«٣» على مرتبة السّلطنة، وكانت وظيفة ططر أمير مجلس، ومنزلة جلوسه فى الميمنة تحت الأمير الكبير، وكان الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى قد توجّه إلى البلاد الشاميّة قبل ذلك بأشهر، فصار ططر يجلس رأس الميمنة لغيبة الأمير الكبير، ومنزلة جلوس الأمير تنبك العلائى ميق المعزول عن نيابة الشام رأس الميسرة فوق أمير سلاح- كل ذلك فى حياة الملك المؤيد- فلما تسلطن الملك المظفر هذا، وعملت الخدمة بعد مسك قجقار القردمى، وكان الملك المؤيد جعل التّحدّث فى تدبير مملكة ولده الملك المظفر لهؤلاء الثلاثة، أعنى تنبك ميق، وقجقار القردمى أمير سلاح، وططر أمير مجلس، فصار التحدّث الآن إلى تنبك ميق وإلى ططر فقط.
فلما دخل الأمراء الخدمة على العادة، وقبل الجلوس أومأ الأمير ططر إلى الأمير تنبك ميق أن يتوجّه إلى ميمنة السلطان ويجلس بها على أنه يكون مكان الأمير الكبير، ويجلس هو [على]«٤» ميسرة السّلطان، فامتنع تنبك من ذلك، فألحّ عليه ططر فى ذلك واحتشم معه، وتأدّب إلى الغاية، فحلف تنبك بالأيمان المغلّظة أنه لا يفعل، وأنه لا يجلس إلا مكانه أوّلا