قلت: ولهذه الفعلة وأشباهها كان يعجبنى أفعال الأمير ططر، فإنه كان يسير على طريق ملوك السّلف فى غالب حركاته، لكثرة اطّلاعه لأخبارهم وأمورهم، ومن تعمية الأخبار على العدو، والتّورّى فى الأسفار من أن يقصد مكانا فيورى بآخر، ومن مخادعة أعدائه والترقّق لهم؛ فإنه بلغه- لمّا استفحل أمره- عن الأمير على باى المؤيّدى الدّوادار، أنه يقول لخچداشيته المؤيّديّة: لا تكترثوا بأمره أنا كفاية له، إن استقام فهو على حاله، وإن تعوّج أخذته بيدى وألقيته من أعلى القصر إلى الأرض، وأيش هو ططر؟ فلمّا سمع ذلك أمر القائل له بالكتمان، وأخذ فى الإلمام على على باى [المذكور]«١» وإظهاره على سرّه، وهو مع ذلك فى قلبه منه أمور وحزازات، وأيضا لمّا وصل إلى الشّام حسبما نذكره.
وقدم عليه خچداشيته «٢» من عند قرا يوسف على أقبح حال من الفقر: أعنى عن الأمراء الذين هربوا من الملك المؤيّد فى وقعة قانى باى نائب الشّام، وهم سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، وتنبك البجاسىّ نائب حماة، وطرباى نائب غزّة، وجانى بك الحمزاوىّ، ويشبك الجكمىّ الدوادار الثانى الذي كان فر من الحجاز إلى العراق، وغيرهم، فلمّا وصلوا إلى دمشق وتمثلوا بين يدى ططر ورءاهم على باى الدوادار المذكور، وتغرى بردى المؤيّدى أمير آخور كبير قالا للأمير ططر- لمّا أتوا-: هؤلاء يريدون العود إلى ما كانوا عليه، وهم أعداء أستاذنا، فقال لهما ططر: أعوذ بالله، هؤلاء ما بقى فيهم بقيّة لطلب ما ذكرتموه ممّا قاسوه من الغربة والتّشتّت، وإنما قصد كلّ واحد منهم ما يقوم بأوده، مثل إقطاع حلقة «٣» ويقيم بالقدس، أو مرتّب ويقيم بدمياط، أو شىء على الجوالى «٤» ، وأنتم تعرفون