للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخبره أن الأمير ططر لمّا طلع إلى قلعة دمشق وقبض عليه فى الحال ارتجّ العسكر لمسكه، وعظم ذلك على جماعة كبيرة من المماليك السلطانية الظاهريّة، وطلبوا من الأمير ططر إبقاءه، فرأى ططر أنّه لا يتمّ له أمر مع بقائه، وأرسل القرمشىّ أيضا يترقّق له، فلم يلتفت ططر إلى هذا كله، وتمثل لسان حاله بقول المتنبى:

[الكامل]

لا يخدعنّك من عدوّك دمعه ... وارحم شبابك من عدوّ ترحم

لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدّم

وجسر عليه وقتله بعد أيّام، فلم ينتطح فى ذلك عنزان.

وكان الأمير ألطنبغا القرمشىّ حسنة من حسنات الدهر عقلا وحشمة ورياسة وسؤددا وكرما، مع اللّين والأدب والتواضع، كما سيأتى ذكره فى حوادث سنة أربع وعشرين وثمانمائة إن شاء الله تعالى.

ولما أن مهّد الأمير ططر أمور دمشق، وقوى جانبه بخشداشيته وأصحابه، عزم على التوجّه إلى حلب.

فلما كان يوم الجمعة خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور ركب الأمير ططر من قلعة دمشق ومعه السلطان الملك المظفّر وجميع عساكره، وتوجّه إلى جهة البلاد الحلبيّه، وسار حتى وصلها فى العشر الأول من شهر رجب، بعد أن فرّ منها الأمير ألطنبغا الصّغير قبل قدومه بمدّة، وملكها الأمير إينال الجكمىّ، وسكن بدار السّعادة على عادة النّوّاب، وأقام الأمير ططر بحلب، وأخذ فى إصلاح أمرها، وخلع على أمراء التّركمان والعربان، وبعث رسله إلى البلاد، وبينما هو فى ذلك قدم عليه الأمير مقبل الحسامىّ الدّوادار- كان- أحد أصحاب جقمق طائعا، وقد فارق الأمير جقمق من صرخد بعد أن حوصر جقمق من الأمير بيبغا المظفّرىّ المقدم ذكره ورفقته أيّاما، فخلع الأمير ططر على الأمير مقبل المذكور وعفا عنه- وفى النفس من ذلك شىء- ثم خلع الأمير ططر على الأمير تغرى بردى من آقبغا المؤيّدىّ