الأمير ططرّ وحبسه بثغر الإسكندرية إلى أن قتله بها، وكان تركىّ الجنس، قصيرا بطينا، له شعرات بحنكه، كبير الوجه، مشهورا بالشّجاعة والإقدام مع الكرم والتجمّل فى مركبه ومماليكه وسماطه، وكان منهمكا فى اللّذّات مسرفا على نفسه، فكان فى غالب اللّيالى يسكر إلى الصّباح ويغلب عليه النّوم فينام عن الخدمة السلطانية، فلما يقوم من نومه يتأسّف على عدم طلوعه إلى الخدمة، فيجعل نفسه متوعّكا فينزل إليه وجوه الدّولة لعيادته، فيجدونه مخمورا لا يكاد يتكلّم، فلما تكرّر منه ذلك علم السلطان والناس حاله، فصار أمره مثلا، يقول بعضهم للآخر كيف حال فلان فيقول مريض، فيقول لا يكون مثل مرض قجقار القردمى، وتداول ذلك بين الناس.
وفيها قتل الأمير سيف الدين جقمق بن عبد الله»
الأرغون شاوىّ الدّوادار ثم نائب الشام بعد عقوبة شديدة لأجل المال فى ليلة الأربعاء سادس عشرين شعبان بعد عود الأمير ططر من حلب، وكان أصل جقمق هذا چاركسيّا، أخذ من بلاده مع والدته وهو ابن ثلاث سنين، وجلبا إلى مصر فاشتراهما بعض أمراء مصر، فأقاما عنده مدّة يسيرة وقبض على الأمير المذكور، فاشتراهما أمير آخر، ثمّ انتقلا من ملكه إلى ملك الأمير ألطنبغا الرّجبىّ، ثم ابتاعهما من ألطنبغا الرّجبىّ [المذكور]«٢» الأمير قردم الحسنىّ رأس نوبة النّوب، وأنعم بوالدته على زوجته وأنعم بولدها جقمق هذا على ابنه صاحبنا العلائى على بن قردم، فاستمرّا عندهما إلى أن توفّى الأمير قردم، وبعده بمدّة انتقل جقمق هذا إلى ملك الأمير أرغون شاه الظّاهرىّ أمير مجلس، فأعتقه أرغون شاه وجعله بخدمته إلى أن قتل فى سنة اثنتين وثمانمائة، فاتصل بعده بخدمة الملك المؤيد شيخ، وهو من جملة الأمراء، وصار عنده رأس نوبة الجمداريّة، ثم جعله دوادارا ثانيا، إلى أن تسلطن الملك المؤيّد شيخ فأنعم عليه بإمرة عشرة، وأرسله إلى الأمير نوروز الحافظىّ فى الرّسليّة، فقبض عليه نوروز وحبسه، إلى أن ظفر المؤيّد بنوروز، وأطلق جقمق هذا