فأقام عبيد الله على إمرة مصر مدّة وخرج منها إلى جهة الإسكندرية لما بلغه أنّ الفرنج قصدوا الإسكندرية بعد انهزل بهم من الحكم بن هشام على ما نذكره في آخر هذه الترجمة؛ واستخلف على مصر عبد الله بن المسيب المقدم ذكره فغاب عبيد الله مدة ثم عاد إليها ودام على إمرة مصر إلى أن صرفه أخوه الرشيد عنها في شهر رمضان من [هذه] السنة. وخرج منها لليلتين خلتا من شوال، فكانت ولايته هذه المرة تسعة أشهر إلا أياماً قليلة، وولي عوضه الأمير موسى بن عيسى العباسي الهاشمي.
وقال صاحب «البغية» : صرف عنها لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة فوافق في الشهر وخالف في السنة.
وأما ما وعدنا بذكره من انهزام الفرنج من الحكم بن هشام صاحب الأندلس الأموي فإنه ندب عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج وصحبته العساكر، فدخل بلاد الفرنج وبث سراياه في بلادهم يحرقون وينهبون ويأسرون، وسير سرية فجازوا خليجاً من البحر كان الماء قد جزر عنه؛ وكان الفرنج قد جعلوا أموالهم وأهاليهم وراء ذلك الخليج ظناً منهم أن أحداً لا يقدر أن يعبره، فجاءهم ما لم يكن في حسابهم فغنم المسلمون منهم جميع ما لهم وأسروا الرجال وقتلوا منهم فأكثروا وسبوا الحريم وعادوا سالمين إلى عبد الكريم المذكور؛ فسير عبد الكريم طائفة أخرى فخربوا كثيرا من بلاد فرنسية «١» وغنموا أموال أهلها وأسروا الرجال، فأخبره بعض الأسرى أن جماعة من ملوك الفرنج قد سبقوا المسلمين إلى واد وعر المسلك على طريقهم؛ فجمع عبد الكريم عساكره وسار على التعبئة وأجد السير، فلم يشعر الكفار إلا وقد خالطهم المسلمون ووضعوا السيف فيهم، فانهزموا وغنم ما معهم وعاد عبد الكريم سالما هو ومن معه؛ فلما وقع للفرنج