الفرنج بعد أن قتلوا منهم عدّة كبيرة تقارب ما ذكرنا ممّن قتل بمكان الوقعة الأولى، وولت الفرنج الأدبار.
واستمرّ الذي توجّه من الغزاة إلى الأفقسيّة من المماليك السلطانية وغيرهم يقتلون فى طريقهم ويأسرون إلى أن وصلوا إلى المدينة ودخلوا قصر الملك ونهبوه.
ثم عادوا ولم يحرقوا بمدينة قبرس إلا مواضع يسيرة، ولم يدخل المدينة أحد من أعيان العسكر، وغالب الذي دخلها من المماليك السلطانية والمطّوّعة، وكان دخولهم وإقامتهم بها وعودهم منها فى يومين وليلة واحدة.
ثم أقام جميع الغزاة بالملّاحة وأراحوا بها أبدانهم سبعة أيّام، وهم يقيمون فيها شعائر الإسلام من الأذان والصلاة والتسبيح- ولله الحمد على هذه المنة بهذا الفتح العظيم الذي لم يقع مثله فى الإسلام من يوم غزاهم معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه فى سنة نيّف وعشرين من الهجرة.
ثم ركبت الغزاة المراكب عائدين إلى جهة الدّيار المصرية، ومعهم الأسرى والغنائم، ومن جملتها متملّك قبرس فى يوم الخميس ثانى عشر رمضان بعد أن بعث أهل الماغوصة يطلبون الأمان- هذا ما كان من أمرهم-[انتهى]«١» .
وجزيرة قبرس تسمّى باللغة الرّومية شبرا، والبحر يحيط بها مائتى ميل، والميل أربعة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعا، والإصبع ست شعيرات مضموم بعضها إلى بعض، والفرسخ بهذا الميل ثلاثة أميال والبريد بهذا الفرسخ أربعة فراسخ، وجزيرة قبرس من الإقليم الرّابع من الأقاليم السبعة، وسلطانها يقال له أرادا شبرا: أى سلطان الجزيرة، وقبرس مدينة بالجزيرة تسمّى الأفقسيّة، ومسيرة جزيرة قبرس سبعة أيام، وبالجزيرة المذكورة اثنا عشر ألف قرية كبارا وصغارا، وبمدنها وقراها من الكنائس والدّيارات والقلالى والصوامع كثير، وبها البساتين المشتملة على الفواكه المختلفة، وبها